لا يترك الشاعر والصحافي مازن معروف قصيدة واحدة من ديوانه «الكاميرا لا تلتقط العصافير» تذهب هباءً. ثمة إصرار على عصر القصائد واستخراج أفضل ما فيها من أفكار. في الديوان الصادر عن «دار الجمل»، يهتم معروف بفكرة القصيدة، بقدر اهتمامه بالقصيدة ذاتها، لتبدو الأفكار مواد أولية تصنع القصائد، وتشق طريقها نحو تفرعات وصور. التواطؤ بين الأفكار والقصائد يصل أحياناً إلى حدود استنطاق بعضها. الفكرة تستنطق الشكل وتساعد على بنائه، كأنّهما يتكونان معاً: «رجل/ يقصّ صورته/ على شكل مثلثات/ غير متساوية/ رجل/ يمزج ــ بيدين مرتجفتين ـــ/ المثلثات/ رجل يعيد ترتيب المثلثات/ فتفر صورته». يمارس مازن معروف ألعابه الشعرية، وشغبه الأسلوبي في مساحات تتيحها خصوبة الأفكار وذكاؤها. استحضار التفاصيل واللقطات من اليومي، لم يكن بغرض سردها بإسهاب ممل. الهدف هنا، إدخالها في نسيج القصيدة بنحو مبتكر وذكي.
ولعل اللعب باليومي وتوظيفه ضمن أفكار عميقة ووجودية، أنقذ القصائد أحياناً من فخ البرود الفكري من دون أن يقلل من عمق دلالاتها. «كل ما سيأتي تفاهة أخرى/ وبعد أن أنتهي من كتابة هذه القصيدة/ سأقتل العصفور/ الذي أحبه/ على مرأى من جارتي الرقيقة/ والباعة المزعجين/ القفص وحده/ سيبقى معلقاً في البلكونة الكبيرة/ دون العصفور/ وأصابعي/ التي تقدم الخبز والماء/ للعصفور/ مرة / كل صباح».
تتعدد المقترحات الشكلية والأسلوبية في الديوان، ما يدل على حرفية الشاعر، وامتلاكه لأدوات. في بعض النصوص، ثمة مزج لتفاصيل صغيرة بأسلوب مونتاجي متقطع، يصوغ المفارقات ويكررها، فتبدو القصيدة انعكاساً لتخبط الذات، كما في «ملل». في نصوص أخرى، يسدِّد مازن فكرته مباشرة نحو الهدف، كما في قصيدة «الأصدقاء»، حيث تحضر الذاكرة كمرجعية للنص.
صحيح أن كاميرا مازن معروف لا تلتقط العصافير كما وضع عنوان ديوانه، لكنّها تلتقط الكثير من المفارقات والمشاهدات واليوميات وتصهرها في بنائية متماسكة تعتمد الفكرة أساساً لها. ورغم أن قصائد الديوان لا تحتمل من شدة دقتها وهندسة صوغها أي ثرثرة أو حشر لغوي زائد، لكنها تحتمل ابتكارات أسلوبية جديدة ونهايات غير متوقعة: «فسحة/ بحجم فتحة أنف شكسبير/ تمدنا بالأوكسجين/ في محاولة أخيرة/ للبقاء/ على قيد الحياة».