كان | المعركة التي تفجّرت قبل عامين بين السينمائي لارس فون تراير والنقاد في «مهرجان كان السينمائي الدولي»، توالت فصولها خلال الدورة الحالية. بعدما استُقبل عمله «المسيح الدجال» Antichrist بزوابع من الصفير قبل عامين، ها هو فيلمه الجديد «اكتئاب» يتعرّض لعاصفة من الانتقادات التي وصفت المعلم الدنماركي بـ«المدّعي» و«المتذاكي». هذا ما دفع فون تراير إلى صعود البساط الأحمر، شاهراً قبضته اليسرى في وجه النقاد والمصورين، وقد وُشمت عليها كلمة Fuck!
خلال المؤتمر الصحافي المخصص للفيلم، فَقَد صاحب «دوغفيل» أعصابه بسرعة في مواجهة تحفظات النقاد على عمله الجديد.
وأجاب ساخراً: «أطمئنكم بأنَّني لن أكرِّر هذه السقطة مرة أخرى... عملي المقبل سينال إعجابكم بكل تأكيد، فقد قرّرتُ أن أصوّر فيلماً بورنوغرافياً»!
وسرعان ما ازدادت الأجواء توتّراً، عندما سئل فون تراير الدنماركي عن مدى تأثير أصوله الألمانية و«المنحى النيتشوي» (إرادة القوة) في أعماله. بدا السؤال استفزازاً للمخرج الذي ينحدر من أصول يهودية ألمانية، فما كان منه إلا أن أطلق العنان لروح الفكاهة السكندنافية الباردة التي يشتهر بها: «اعتقدتُ طويلاً بأنني يهودي الأصل، لكنني اكتشفتُ أخيراً أنني نازي. وهذا الاكتشاف أسعدني كثيراً، لأنني معجب بهتلر»! كان واضحاً أن المعلم الدنماركي يطلق مزحة قد تكون سمجة، أو استفزازية. لكنَّه لم يكن يتصور أن النقاد والصحافيين وإدارة المهرجان سيأخذون هذه التصريحات على محمل الجدّ، وسيتعاملون معها من خلال قراءة حرفية تؤدّي إلى وصمه (المبالغ فيه) بـ«العنصرية ومعاداة السامية».

غير أنّ الكروازيت تحب الجدل وتعشق الفضائح، وسرعان ما تحوَّلت هذه الواقعة إلى قضية الموسم. ارتفعت أصوات تطالب بإبعاد فون تراير، وسحب فيلمه من المسابقة الرسمية. وما زاد من الحنق عليه، أنّه خلال المؤتمر الصحافي ذاته، وعندما انبرى أحد النقّاد للتنديد بميوله المعادية للسامية، رد ساخراً: «أؤكد لكم أنَّني أحب اليهود، ولا أستطيع أن أكون معادياً للسامية حتى حين يتعلق الأمر بسوزان بيير» (صديقته اللدودة المخرجة الدنماركية المعروفة)!
مرة أخرى، لم تستوعب القاعة روح الفكاهة السكندنافية. حدث لغط كبير، وصاحت إحدى بطلات فيلم فون تراير، النجمة الأميركية كيرستن دانست: Oh my God (يا إلهي)! بينما احتفظت ببرودة أعصابها شارلوت غينسبور صاحبة الدور المركزي في الفيلم. ابنة الفنان الاستفزازي الراحل سيرج غينسبور، أدركت من دون شكّ أن استفزازات فون تراير ليست سوى مزحة ثقيلة. لكنّ الحضور احتجوا على هذا النوع من الفكاهة، ما دفع فون تراير إلى محاولة تهدئة الأمور قائلاً: «دعوني أقل لكم بكل صدق إنني متعاطف مع اليهود، كل اليهود. وإن كنت أرى أن إسرائيل عبارة عن خراء». هذا الكلام بدا لبعضهم بمثابة استفزاز إضافي، ما جعل الأجواء تتكهرب مجدداً، ليختم فون تراير المؤتمر قائلاً: «حسناً، إذا كان انتقاد إسرائيل أمراً لا يطاق بالنسبة إليكم، فأنا أعترف: إنني نازي!» وغادر القاعة غاضباً. في اليوم التالي، استأثرت هذه الواقعة بعناوين الصحف، بعدما تناقلت التلفزيونات الخبر، فما كان من إدارة «كان» إلا أن أصدرت بياناً، أعلنت فيه فون تراير شخصاً غير مرغوب فيه على الكروازيت، لكنَّها رفضت المطالب المنادية بسحب فيلمه من المهرجان، وقرّرت الإبقاء عليه في المسابقة الرسمية.