نقلت «وكالة فرانس برس» نبأ إغلاق المحطّة البيروتيّة لمعرض «وورلد برس فوتو» قبل أوانها، وأخذته عنها حرفيّاً صحف ومواقع مختلفة، بينها «الحياة» السعوديّة، من دون أدنى مسافة نقديّة. لا بدّ طبعاً من تسليط الضوء على الحدث، وتناول الأسباب التي أدّت إلى إسدال الستار المبكّر على معرض عالمي مهمّ، يضمّ أعمالاً لافتة لعشرات المصوّرين من العالم، وتقف وراءه منظّمة هولنديّة تستحق مبدئيّاً كل احترام. لكن طريقة تناول الوكالة المذكورة للموضوع تثير بعض الاستغراب. سبب الإغلاق المباغت للمعرض، وجود مصوّر إسرائيلي بين المشاركين، طلبت السلطات اللبنانيّة سحب أعماله، كما يقتضي القانون اللبناني، على أثر احتجاجات شعبيّة نقلها الإعلام، بما في ذلك مقالة منشورة في «الأخبار» (راجع مقالة الزميل أحمد محسن، ٢٠/ ٥/ ٢٠١١). أما المنظّمون الهولنديون، ففضّلوا الانسحاب الكامل لحماية معرضهم من أي تدخّل. وهو موقف يستحقّ التحيّة بالمطلق، إذا وضعنا جانباً أنّ المشارك ـــــ مهما كان أداؤه الفنّي، وإلى أن يتبرأ بقوّة، وبالفعل لا بالقول، من جرائم دولته ـــــ سكينه مغروزة في خاصرة جمهوره العربي المفترض.لكنّ محرّر(ة) الـAFP، يرى/ ترى الأمور بطريقة مختلفة قليلاً. حسب الفقرة التي تتصدّر خبر الوكالة، وتحدّد طريقة تلقّي القارئ له، إن قرار منظّمي World Press Photo وقف معرضهم في بيروت، هو نتيجة «الحملة (التي) قادتها وسائل إعلاميّة قريبة من «حزب الله»، على خلفيّة وجود صور لمصوّر إسرائيلي». الخبر إذاً، لم يعد مشاركة مصوّر إسرائيلي بنحو طبيعي في معرض تستضيفه «أسواق بيروت»، بل الاعتداء الذي قام به محور الشرّ على هذه التظاهرة الثقافيّة الراقية. بمعنى آخر، إن الذين انزعجوا من مشاركة مصوّر إسرائيلي في معرض لبناني، ليسوا سوى جهة فئويّة ـــ ظلاميّة ـــ معادية للفنّ والإبداع والحريّة... أما الأكثريّة الساحقة من اللبنانيين، فمنفتحة على كل أشكال التعبير، من دون اعتبارات «أيديولوجيّة» و«انعزاليّة» مسبقة. ولسان حالها يقول: أهلاً بإسرائيل في قلب بيروت!
بمعزل عن خلفيّة خبر الـAFP ـــ تسرّع مهني؟ حياديّة ساذجة؟ دس فئوي رخيص؟ أجندة تطبيعيّة صريحة؟ من الواضح أن خطاباً كاملاً لحسن نصر الله لم يكف لإقناع محرّر(تـ)ه، باستقلاليّة «الأخبار» التي لا تتناقض مع مبادئها الأساسيّة، وأوّلها خيار الممانعة. من أبسط واجباتنا، وخصوصاً في هذه المرحلة، تسليط الضوء على كلّ ما يخدم مشروع التطبيع الثقافي. وهذا لا يتناقض مع أننا من أشرس المنابر الإعلاميّة في مواجهة الرقابة، والدفاع عن حريّة التعبير. لكن التعاطي مع ثقافة «الاحتلال» يحتاج إلى حدّ أدنى من الحذر والوعي والتأطير النقدي، قبل أن نقرّر طرحها على الساحة العامة، على أن يكون ذلك في ظروف خاصة تبقى الاستثناء لا القاعدة.

بيان المديريّة العامة للأمن العام