القبح هو المفردة الأساسية في معرض «أساطير يومية» لنِهاد الترك (1972). لكن القبح الحاضر في لوحاته الأربع عشرة لا يُحيلنا إلى تضاد بديهي وساذج مع الجمال. القبح أسلوب وتقنية ومزاج كامل في تجربة هذا التشكيلي السوري الذي ربّى هذه المفردة وطوّرها داخل مدونته اللونية، وجعلها قادرة على استدراج مفردات ومعان مماثلة. هكذا تسربت الكآبة والسوداوية والشرّ إلى أعماله التي غالباً ما نجد فيها تأليفاً واحداً يحتلّ المساحة العظمى من اللوحة. لكنّ هذا التأليف ممهورٌ دائماً بحيوان بدائي يدبّ على سبع قوائم. الرقم سبعة يتكرّر بطرق مختلفة. على شكل طائر أو حشرة أحياناً، أو عِقد في العنق أو قرون في أعلى الرأس.|نعرف مسبقاً أن الرقم سبعة هو عدد أفراد عائلته، لكنّ هذه الحقيقة العاطفية تتحول إلى رمز أو تعويذة أو توقيع آخر إلى جوار إمضائه الشخصي على اللوحة.
ينقّب الترك في الجانب المظلم وغير المرئي من كائناته البشرية، ويتجول في الفناء الخلفي للموضوعات التي يرسمها، باحثاً عن مواد ومكونات لائقة بكآبته وآلامه. يمكن القول إنّ أعماله مدينة للتقنية التي أُنجزت بها. هناك خلطة يتعذّر الوصول إلى مكوناتها اللونية وغير اللونية. أحياناً نشعر بأنّنا أمام كائنات خرافية أو قادمة من كواكب أخرى، لكن ذلك لا يترافق فقط مع إظهار الجانب المرعب أو المشوّه فيها. كأنّ المقصود ابتكار هوية أو نبرة مناسبة لفكرة الرسام عن لوحته.
لعلّ هذا ما يفسّر الأسلبة الطاغية على أعماله المحكومة بمعجم لوني قليل، حيث الأسود والأحمر حاضران بكثافة إلى جوار ألوان أخرى خامدة. القلّة مترجمة على شكل وجوه ممحوة الملامح، أو على شكل أشجار مؤلّفة من كتلة متجانسة وضخمة منتصبة على جذوع صغيرة... في لوحة «زفاف»، نجد كائنين متلاصقين من دون ملامح وخلفهما مساحة مقسمة إلى ستين مربعاً صغيراً يحتلّها ضيوف الحفلة بوجوه تظهرهم على شكل وحوش أو أشكال طوطمية. الغرائبية لا تُبعد الرسام عن الواقع. هكذا، نجد الوجه الغامض نفسه في لوحة «المندسّ»، بينما تجسّد لوحة «أسطورة آذار» الحشود المطالبة بالإصلاح في سوريا.
لم يدرس الترك الرسم في الأكاديميات، لكنّ موهبته استُقبلت بحفاوة نقدية وجوائز وضعته بسرعة في الصف الأول لرسامي جيله. ولعل دراسته الشخصية للرسم سهّلت عليه الاهتداء إلى تقنيات تتجاهل المعايير التقليدية، وتتلاءم مع استثماره لعوالم طفولته الفقيرة الممزوجة بالاعتزاز، وتجربة سجن قصيرة عززت لديه بشاعة العالم.



«أساطير يوميّة»: حتى 30 حزيران (يونيو) المقبل ـــ «غاليري أيام» (وسط بيروت). للاستعلام: 70/535301