بدأ غسان بن جدّو لقاءه أمس مع طلاب جامعة AUL (الكسليك) بمثال صادم عن سطوة الإعلام. عاد بذاكرته إلى احتلال بغداد عام 2003. مَن ينسى مشهد سقوط تمثال صدام حسين الشهير ملفوفاً بعلم أميركي ضخم؟ لم يحتج إلى إعادة رسم الصورة للحاضرين. كانت نهاية حقبة. حينها، تهاوى عرش الدكتاتور على أرصفة المدينة، من دون أن ننسى... العلم الأميركي. إذاً كان الترتيب مقصوداً. لم تنطلِ الخدعة على بن جدّو، وخصوصاً أنه يعرف أنّ المشهد «مُثلّ عشرات المرات في القاعدة المركزية الوسطى». عند هذا الحد، تبقى القصة في إطارها الطبيعي: سرد لأحداث تاريخية مرفق بقراءة إعلامية محترفة، لكن الإعلامي أردف أنّ مركز القاعدة المذكورة يقبع في قطر. قالها خافضاً صوته، كأنها «زلّة لسان»، أو لأنه تذكّر أنّه عاش حينها بدايات «شهر العسل» مع «الجزيرة».
وكما بات معروفاً، لم يدم «العسل» طويلاً. على خلاف ما أشيع، فإنّ «الطامة الكبرى» في أداء القناة القطرية كانت خلال «تغطيتها أحداث البحرين» على حد تعبيره. تغاضت المحطة عن هدم 30 مسجداً وموت 9 معتقلات تحت التعذيب. وبذلك، نفى المدير السابق لمكتب «الجزيرة» في بيروت كل الشائعات التي تتحدث عن «موقف سلبي له من تغطية المحطة للأحداث في سوريا، وخصوصاً في الأسابيع الأولى». واكتفى بالقول إنّ «أموراً أخرى بدأت تحدث لا يمكنه قولها حفاظاً على سرية المهنة». وبعد تعقيب على أحد أسئلة الطلاب، فهم الحاضرون «الأمور الأخرى». قال إنّ «الجزيرة» أصبحت جزءاً من مشروع سياسي. ولم ينجُ «إعلام الممانعة» من نقده، بعدما وصفه بـ «إعلام متخلّف وكريه». وحين لمس بن جدّو تقلصاً في الحرية الإعلامية داخل المحطة لحساب السياسة القطرية، اضطر إلى «تسجيل موقف» فاستقال، لكن، هل تزامُن استقالته مع التظاهرات في سوريا «توقيت صائب»؟ هنا، تنصّل من الإجابة، وعاد إلى البحرين.
ورغم اعترافه بأنه ليس محايداً، بل «ممانع»، إلا أنّه يؤمن بأنّ «المهنية أولاً». هكذا، دافع عن «خلطة» الممانعة والمهنية بالتذكير بملاحظاته على تغطية «الجزيرة» للثورة المصرية. رغم سعادته بسقوط مبارك، انتقد المحطة آنذاك بسبب إفساحها المجال للشيخ يوسف القرضاوي للدعاء للثوار المصريين: «الدعاء في المسجد لا على الهواء». وبعيداً عن المهنة، وأصولها الملوّثة بالـ «المال السياسي» عربياً، أفرد مساحةً للحديث عن ذكرى 25 أيّار. كيف لا وهو أول إعلامي في العالم أذاع الخبر. ثمة ما يزيد بن جدّو فخراً بنفسه، فهو شخصياً «أقنع الأمين العام لحزب الله باختصار خطابه الشهير في بنت جبيل 2000 إلى أقل من ساعة كي تنقله «الجزيرة» كاملاً».
بالنسبة إليه، سلطة الإعلام خارج النقاش. الإعلامي التونسي المتخوف من «الثورات المضادة»، ما زال متمسكاً بقناعة واحدة: الإعلام يصنع الرأي العام. لم يتخلّ عن وظيفته بعد، ومحطته «ستنطلق أوائل العام المقبل».