صنعاء | يبدو أنّ كل ما مرّ على الصحافيين اليمنيين منذ بداية الثورة من اعتقالات واعتداءات ومصادرة معدات خاصة بهم شيء، وما حدث لهم خلال الأيام الخمسة الماضية شيء آخر مختلف تماماً. إذ مرّت عليهم خمسة أيام قاسية منذ اندلاع الاشتباكات بين قوات الرئيس علي عبد الله صالح، وقوات أخرى موالية لقبيلة آل الأحمر الشهيرة حيث استخدم الطرفان مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
كانت البداية مع صحيفة «الأولى» الأهلية. إذ هاجم بلطجية يناصرون النظام وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم مقر الصحيفة بهدف الاعتداء على رئيس تحريرها محمد عايش بعدما نشر خبراً عن الرئيس صالح. وحين لم يجدوه، عمدوا الى الاعتداء على صحافي متدرّب يُدعى حسان سعيد. هكذا، قاموا بتكتيفه وطعنه بالسلاح الأبيض، وتقطيع أوردة ذراعيه وإدخال التراب والحصى في فمه كي لا يصرخ.
لاحقاً ومع اشتعال القصف بين قوات صالح والعناصر القبلية، كان نحو ما يزيد على خمسين صحافياً يمارسون عملهم في مبنى وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، وهو مبنى واقع في منطقة فاصلة بين المتقاتلين واستخدمت قوات صالح طبقته العليا لقصف الجهة الأخرى، ما دفع هؤلاء إلى الرد، وكانت النتيجة إصابة صحافي بطلق ناري في فخذه، فيما دمّرت الطبقات العلوية الثلاث تدميراً كاملاً بكل ما تحتويه من معدات وأرشيف ومكتبة. أما الصحافيون العالقون في الطبقات الأخرى منه، فلم يتمّ إجلاؤهم إلا بعد مرور نحو 12 ساعة وخفوت حدة المعارك.
أمّا يوم الأربعاء، فكان حافلاً بجملة اعتداءات، بداية من الصحافي محمد الديلمي الذي يعمل مراسلاً لوكالة «يونايتد برس إنترناشونال» الأميركية. إذ تعرض بداية لمحاولة دهس بسيارة تابعة لعناصر مناصرين لعلي عبد الله صالح. بعدها، نزل أربعة مسلحين وتناوبوا على ضربه أمام المارة بعنف ألحق به ثلاث إصابات في الرأس وكدمات غائرة في العين اليمنى، إضافة إلى رضوض عدة في أجزاء متفرقة من الجسم. وانتهوا بسلبه كومبيوتره الشخصي وهاتفه الخلوي ولاذوا بالفرار.
وفي مساء اليوم نفسه، تعرّض مكتب قناة «سهيل» الفضائية المعارضة لقصف بمدافع الهاون، أدّى إلى تدمير المكتب بالكامل وتوقف البث مؤقتاً. وتبع هذا القصف خطف عناصر أمنيين مصوّراً يعمل في القناة هو كمال المحفدي خلال تصويره المعارك الدائرة بين الطرفين المتقاتلين. في اليوم التالي، تعرض مقر جريدة «الصحوة» التابعة لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» وهو حزب معارض لهجوم بالرصاص الحي من مسلحين مجهولين سرعان ما لاذوا بالفرار.
ولم ينحصر الضرر الذي يتعرض له أهل الصحافة في اليمن عند حدود الأذى الجسدي. فقد «حظيت» الصحافيات على وجه الخصوص بشكل جديد من الإيذاء تمثّل في بث قناة «سبأ» الحكومية مادة تحريضية تسيء لهن. وقد لجأت القناة إلى تحوير ومنتجة حديث أدلت به صحافيات وناشطات في مقر نقابة الصحافيين وتمحور حول واقعة اعتداء تعرضن لها في «ساحة التغيير» في صنعاء. لكنّ العاملين في «سبأ» عمدوا الى إعادة مونتاج وتحوير للمادة وتقديم وتأخير وحذف فيها، ما أظهر المادة كإساءة لهنّ ولثورة الشباب اليمنية بما يصب في مصلحة النظام. وفي الاتجاه نفسه، أعلن عدد من الصحف الأهلية والحزبية عدم صدورها هذا الأسبوع بسب وقوع مقارّها في المنطقة التي تسيطر عليها قوات علي عبد الله صالح والبلاطجة المناصرون له. وهو ما يجعل مهمة الوصول إلى مقارّ هذه الصحف مسألة محفوفةً بالمخاطر، وسط حالة من الانفلات الأمني غير المسبوقة في صنعاء.
إلى ذلك، أعلنت نقابة الصحافيين اليمنيين إغلاق مقرها مؤقتاً بعد ورود معلومات مؤكدة عن نية مبيّتة لمهاجمته من قبل عناصر أمنيّين في زيّ مدني. ويأتي ذلك بمثابة ردّ انتقامي على النقابة التي أصدرت بياناً يدين «المجازر الوحشية التي يقوم بها الحرس العائلي لنظام صالح وبقايا أدواته الأمنية في حق أبناء شعبنا المتظاهرين سلمياً في ساحات التغيير في محافظات الجمهورية».