القاهرة | تفرّق الثوّار، فعاد الانحياز ليخيّم على الإعلام من جديد. والمقصود هنا الإعلام غير الحكومي لأنّ التلفزيون الرسمي في مصر ما زال خارج نطاق الخدمة ويكتفي بالأخبار الرسمية وباستضافة بعض الممنوعين في عهد مبارك، كدلالة على تغيير لم يصل بعد إلى الرسالة الإعلامية الرسمية. أما القنوات الخاصة والصحف غير الحكومية التي اصطفت وراء الثورة، فقد عادت إلى الانحياز من جديد ضد الشارع. والسبب «جمعة الغضب الثانية» التي أطلق عليها بعضهم تسمية «الثورة الثانية» (27 مايو/ آيار).بينما دعت الأحزاب الليبرالية واليسارية والكثير من القوى المستقلّة إلى تظاهرة مليونية يوم الجمعة الماضي من أجل المطالبة بسرعة محاكمة مبارك ورجاله، استغلت التيارات الإسلامية بعض المطالب التي لم تحظََ بإجماع الداعين إلى التظاهرة. ومن هذا المنطلق، أطلقت على «جمعة الغضب الثانية» تسمية «جمعة الوقيعة» بين الشعب والجيش. لكن الأمر لم يتوقف عند مقاطعة الإخوان المسلمين والسلفيين للتظاهرة، بل عادت تلك التيارات إلى مرحلة ما قبل الثورة، واستخدمت الأساليب الإعلامية نفسها التي برع فيها نظام مبارك حتى سقوطه. بمعنى أنّ الرافضين لـ «جمعة الغضب الثانية» لم يتمنّوا التوفيق للمؤيدين لها، واكتفوا بالانسحاب، بل حشدوا أسلحتهم الإعلامية لتأكيد فشل التظاهرة التي لم تصل بالطبع إلى مرحلة الميلونية، لكنها لم تقتصر أيضاً على مشاركة بضعة الآف كما أشار موقع «إخوان أونلاين» قبل أن يسحب الخبر مجدداً، فيما هاجم الإعلامي والكاتب بلال فضل قناة «الجزيرة مباشر مصر» من على منبر محطة «التحرير» بسبب تغطيها المنحازة للإخوان المسلمين خلال تظاهرات الجمعة، والتركيز على الأماكن الخالية فقط في الميدان. وقامت قناة «أون. تي. في» بتغيير عبارة «تظاهرات حاشدة» إلى «تظاهرات» فقط على شاشتها بعد اتصال من أحد قادة المجلس العسكري، الذي قلّل من حجم الحضور في «جمعة الغضب الثانية».
على مستوى «فايسبوك»، انطلقت تحذيرات من التعامل مع صفحة «رصد» الإخبارية لكونها تتبع للإخوان المسلمين، مما أفقدها المهنية في تغطية أخبار التظاهرة. وتوالت ردود الفعل حتى ظهر أمس الأحد، إذ تقدم رئيس تحرير موقع «إخوان أونلاين» عبد الجليل الشرنوبي باستقالته احتجاجاً على تصريحات المتحدث باسم الجماعة عصام العريان، الذي حاول تحويل الغضب تجاه الإخوان المسلمين إلى إدارة الموقع التي نشرت أخباراً غير دقيقة. وأكد الشرنوبي أنّ الموقع يعبّر عن سياسة الجماعة ولا يتحرك على نحو منفصل. وهنا، تلقى تعليقاً طريفاً عبر «فايسبوك» يصفه بأنّه «عبد اللطيف المناوي... فرع المعاملات الإسلامية»، في إشارة إلى المناوي رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري التي تعرّض لهجوم عنيف بسبب تغطية التلفزيون لأحداث «ثورة 25 يناير»، بينما دافع هو بأنّ التغطية كانت سياسة الدولة ووزارة الإعلام! لهذا، لم يعد غريباً أن يؤكد كثيرون بعد موقف الإخوان من «جمعة الغضب الثانية» أن الحزب الوطني ما زال موجوداً لكن بلحية وجلباب!