بعدما اشتهر خلال الثمانينيات بأنه مغنٍّ ملتزم رافق الروائي والباحث الراحل مولود معمّري في الدفاع عن الهوية الأمازيغية، ثم الأديب كاتب ياسين في مواجهة السلطة الأحادية، ها هو فرحات مهني يعلن مطلبه من أجل منح منطقة القبائل في الجزائر استقلالاً ذاتياً. هكذا أعلن تأليف حكومة موقتة في فرنسا في حزيران (يونيو) 2010. في كتابه الصادر بالفرنسية عن «دار ميشالون» تحت عنوان «قرن الهويات، نهاية دول ما بعد الاستعمار» يعلل أسباب القطيعة: «عدم احترام الهويات واغتصاب خصوصيات الأقليات». يحاول استقراء نصف قرن من تاريخ الجزائر، ومعوّقات مشاريع النهضة الفكرية، ويبدو متفائلاً بنهاية عصر الديكتاتوريات، مطلقاً نبوءة بداية «عصر الشعوب».
يؤسس مهني أطروحته على الواقع السياسي في الجزائر، وفشل المخطّطات الإصلاحية. «علّة الدّول الأفريقية والآسيوية المستقلة منتصف القرن الماضي لا تكمن في نوعية الحكم بل في طبيعته»، مضيفاً: «غداة الاستقلال عشريتي الخمسينيات والستينيات، لم نشهد ميلاد دول جديدة، بل دول قائمة على الإرث الاستعماري، تسير وفق سياقاته ومخلفاته».
فرحات مهني يعتبر واحداً من الأسماء الأكثر جدلية في الجزائر. اشتهر بمواقف متطرّفة أحياناً في الدّفاع عن المسألة الأمازيغية. مواقف لم تلق إجماعاً، وسبّبت له الكثير من المضايقات. ذاق مرارة السجن أشهراً طويلة إبان حكم حزب «جبهة التحرير الوطني» في الثمانينيات. أسهم في تأسيس «الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان»، و«الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل»، وعرف بتشبّثه بمطلب اعتماد اللغة الأمازيغية لغة وطنية في البلاد. مطلب تحقق عام 2001، بعد أحداث دموية اصطلح على تسميتها «الرّبيع الأسود».
يرى مهني أنّ «الدّولة الجزائرية المستقلة في 1962 تفتقد الشرعية. النظام الذي يحكمها يقوم على خدمة مصالح آنية وشخصية ونهايته صارت قريبة». وبينما شرعت الحكومة الجزائرية في إعداد احتفالية مرور خمسين سنة على الاستقلال (2012)، يقول مهني: «المفترض أن يسمّوها خمسين سنة من الديكتاتورية»، ويتوقع في كتابه نهاية قريبة لأنظمة الحكم التعسفية في كثير من البلدان العربية.
ويكتب: «بالنسبة لأبناء جيلي، بدأ النضال على الشق الثقافي، قبل الانتقال إلى الشقّ السياسي. كنا نطالب بالإقرار فقط بالهوية وباللغة الأمازيغية. حلمنا بجزائر ديموقراطية ومتعدِّدة كما دعا إليها كاتب ياسين. لكن أحداث 2001 الدموية شكلت قطيعة رمزية ونهائية مع النظام».