التلفزيون أفيون الشعوب. هكذا تكلّم الموسيقيّ والشاعر الأميركيّ جيل سكوت هيرون قبل 41 عاماً. انتقد «عرّاب الرّاب» حينها الأثر التخديري الذي يمتلكه التلفزيون على الأميركيين من أصول أفريقيّة، بدلاً من أن يحثّهم على التصدّي للقمع والعنصريّة. غادرنا هيرون (1949 ـــــ 2011) في عام الثورات، فتحققت نبوءته الشهيرة: «لن تكون قادراً على البقاء في المنزل». هيرون الذي توفي الجمعة الماضي في نيويورك عن 62 عاماً، استعمل الفنّ أداة للثورة والهجاء السياسي والنّقد الاجتماعيّ وضد العنصريّة، والحروب، والأسلحة النوويّة، وضدّ نيكسون وريغان وجورج بوش الأب. فعل ذلك في زمن كان فيه الفنّ ـــــ ولا يزال ـــــ منبراً لترويج الكسل الذهنيّ.
منذ بداياته، عمل هيرون ضدّ الاستابليشمنت. ظهرت ميوله للكتابة في صغره، فحصل على منحة دراسيّة. بعدها، تخلّى عن دراسته الجامعيّة ليكتب روايتين، ويلتقي بعازف البيانو براين جاكسون الذي سيصبح شريكه الموسيقي الدائم. هذا النشاط وضعه مباشرة في صلب تحوّلات المجتمع الأميركي الجذريّة. ألبومه الأوّل Small Talk at 125th and Lenox (1970) حمل صبغة التمرّد على العنصريّة، وعلى تراخي الذهن المجتمعي. أما أسطوانته الأيقونة «أجزاء رجل» (1971)، فضمّت أغنيتي «الثورة لن تبثّ على التلفزيون»، و«المنزل يقع حيث الكراهية» Home is Where Hatred is.
لم يسلم أحد من نقده اللاذع: لا نيكسون، ولا التلفزيون، ولا مروجو الهيرويين، ولا بلده الذي «تسكنه البغضاء». مع هذا الألبوم، بدأت بوادر «الهيب هوب» تظهر في الموسيقى. أسلوبه في المزج بين الكلمات المنطوقة، والجاز والسّول والبلوز بإيقاع أسرع من السائد حينها، فتح الطريق لنوع موسيقيّ جديد.
لم يكتفِ «بوب ديلان الأسود»، كما كان يسمّى، بالدفاع عن قضاياه المحليّة. بل انتقد بقسوة نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، مصدراً ألبومه «من جنوب أفريقيا إلى جنوب كارولاينا» (1976). تزعزعت مسيرته بسبب إدمانه الهيرويين ودخوله السجن مراراً، وأسلوبه الفوضويّ في التسجيل. هكذا انقطع عن عالم الفن طويلاً قبل أن يصدر ألبومه الأخير I’m New Here (2010). وإن كان الجمهور العربي يتذكره في ربيع الثورات والتغيير، إلا أنّ علاقته بهذا الجمهور توطّدت العام الماضي حين رفض إقامة حفلة في تل أبيب، قائلاً إنه «يكره الحرب، وينحاز إلى الضحيّة».