هل الأعمال التجهيزية محكومة بأن تكون أقلّ أو أبسط من الأفكار والمكونات المتدخِّلة في إنجازها؟ وهل المتلقي مدعوٌّ دوماً إلى ابتكار سياقات وتأويلات أكثر تماسكاً وتعددية مما يُقدّم إليه؟ يستفزنا سهيل سليمان بهذا النوع من الأسئلة في عمله الجديد: «مونوبوليس ـــ بيت من ورق» المعروض في «جمعية أمم للتوثيق والأبحاث». يقص الفنان اللبناني المقيم في بريطانيا علب التوضيب الكرتونية على شكل أوراق اللعب لبناء نموذج مصغّر عن مدينة بيروت. أوراق «الكُبّة» التي على شكل قلب تترجم حبّه للمدينة المخطوفة من قبل أصحاب ورق الديناري التي يُرمز لها بما يشبه قطعة الماس.هكذا، نرى مكعبات متساوية الحجم ترتفع كطبقات وشقق شاهقة وأخرى أقل ارتفاعاً. يترك سليمان مساحة مخصصة لموقف سيارات ضخم بين العمارات الافتراضية المتلاصقة، في إشارة مواربة إلى مساهمة الازدحام المروري في تسريع إيقاع الحياة اليومية، وطرد المشاة أو الباحثين عن مساحات خضراء للتنزه.
المدينة الافتراضية المصنوعة أصلاً من تدوير قمامة كرتونية، تدفعنا إلى المقارنة بين هشاشة المجسمات المعمارية التي نراها، وعبثية واستحالة امتلاك مكعب حقيقي في بيروت نفسها. هناك نقد متواصل ـــــ ممزوج بحب شائك ـــــ للمدينة التي تواصل اقتراح أنماط عيشٍ لائقة بأثريائها وسُيّاحها، متجاهلةً المتطلبات العاطفية والشعرية التي ينبغي أن تتوافر في أي عمارة سكنية. إنها أفكار علينا استخلاصها من المعرض الذي يحمل هوية مفهومية وفلسفية أكثر من امتلاكه صيغة معرض تقليدي.
هكذا، يستطيع كل زائر أن يرى المدينة داخل تجربته وذاكرته. لعل التنويع السمعي ـــــ البصري الذي قدمته الفنانة تانيا الخوري على هامش المعرض يأتي ضمن هذا السياق.
فهي تقترح مشاهدة تفاعلية على الجمهور من خلال دعوتهم إلى بناء منازل من مكعبات أوراق اللعب نفسها، ومراقبة انهيارها بمجرد قذفها بمكعب آخر. التسلية التي ينبغي أن تتحصل من إدخال الجمهور في لعبة العرض تتحول إلى نوع من العقاب، وتورّطهم في الأفكار الشخصية لصاحب المعرض.
إنهم يتقاسمون معه نقده للمدينة التي يمكن هدم نموذجها في المعرض بنفخة واحدة، لكنها تجبرهم في الخارج على حبٍّ قاسٍ لا يمكن البوح به إلا في ضواحيها البعيدة أو أحيائها الشعبية.



«مونوبوليس ــــ بيت من ورق»: يستمر المعرض حتى 12 حزيران ــــ «الهنغار/ جمعية أمم» (الغبيري، ضاحية بيروت الجنوبيّة). للاستعلام: 01/553604