لاحظت ريما خشيش أوّل من أمس في «الأسمبلي هول» أن حفلتها تضجّ بالفرح... هي التي عوّدت جمهورها على ريبرتوار طربي مفعم بالحزن. السرّ أن برنامج الأمسية التي اختتمت بها «مهرجان ربيع بيروت»، كان مكرّساً لصباح. وفنّ الصبّوحة يكاد يقتصر على الفرح والبهجة، على خفّة الدم، وخفّة الظلّ، وخفّة العواطف.
ولاحظنا نحن أن ريما تركت وراءها المطربة «الجبليّة»، لأسباب لها علاقة بمزاجها الفنّي ربّما، أو بخامتها الصوتيّة، لتأخذنا في رحلة عبر السنوات الذهبيّة لصباح «المصريّة»، مع ألحان فريد الأطرش وسيّد مكاوي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم. لعلّها رسالة عفويّة، غير مباشرة، وجّهتها المطربة الأسطورة تلك الليلة، عبر خيارات البرنامج (أغنيات الأفلام)، إلى الفئة المصابة بـ «عارض الأقليات المذعورة» في لبنان.
الذين تخلّوا موقتاً عن انعزاليّتهم، ليركبوا موجة «الرييع العربي» أخيراً، ما زالت سنوات ضوئيّة تفصلهم عن هاجس التغيير، وعن كلّ ما هو «عربي» (باستثناء قطاع الخدمات من الكاباريه إلى الإعلام). ذلك أنّ الانحياز إلى الحريّة والتقدّم في العالم العربي والإسلامي، ليس صرعة موسميّة، أو ثأراً سياسيّاً، أو نكاية عنصرية، أو باب ارتزاق، بل مسألة وجود. خيار حضاري وثقافي وفكري راسخ، وفعل انتماء إلى مشروع نهضوي يتسع للجميع. مساء اليوم في ميدان التحرير، سيحتفل شباب مصر بالشيخ إمام في «ذكرى رحيله الأولى بعد الثورة»، بحضور رموز شاركت في تلك التجربة. مات المغنّي الضرير في السابع من شهر النكسة (1995)، أيّاماً خمسة بعد سقوط سمير قصير (2005) الذي يتذكّره «ربيع بيروت». كلاهما يقول لنا إن الربيع العربي، الصعب المنال، أكثر من موضة تسويقيّة.