في مجموعته القصصية «ثلاثون حكاية» (دار بيسان للنشر)، يؤرشف الروائي والشاعر جاد الحاج 20 عاماً مرّت من حياته بواسطة فلاشات حكائية قد لا تعبّر عن سيرة بقدر ما تعرض مناخات وأجواء عبثية وغرائبية عاش بعضها وشاهد بعضها الآخر. فما يقتطع من ذاكرة الحرب والاغتراب والعبث يصلح هنا لحكاية ممتعة، يمتزج فيها الحقيقي بالمتخيل والفانتازي بالواقعي. تلك حقبةٌ لم تنتهِ بعد من سرد نفسها رغم كل الروايات التي كتبت والأفلام التي صوّرت... ثمة انطباعات وتجارب شخصية لا بد من أن تروى.رغم فرادة النصوص وانتمائها الواضح إلى كاتبها، لا يضع الحاج قالباً أسلوبياً محدداً لقصصه. النص يخلق سياقاته تبعاً لتحولات الشخوص وتنوع مصائرهم. شخصية زرزور في قصة «طريق القمة» تمر بالأب سميح سلوم الشاويش الذي يلاحق المهربين واللصوص، ثم الخال الذي يعرّفه إلى مدينة بيروت وإلى العاهرة سونيا، مروراً بالحرب التي يصبح عضواً في إحدى ميليشياتها. وتنتهي القصة بوصوله إلى السرايا الحكومية وتحكمه بشؤون العباد. نلاحظ إذاً وجود أكثر من حبكة في القصة الواحدة تفرضها القفزات السردية التي يقوم بها الكاتب لعرض نتف من سيرة ما، وأحداث من حقبة معينة من دون أن يؤثر ذلك على بنيان النص.
قصة الحاج تنحاز إلى التركيب أكثر من التصعيد. النص عنده يجمع وحدات سردية يختلف فيها المكان والزمان، والأحداث تتطور ليس بمعنى التصاعد والوصول إلى الذروة، بل بنحو مشهدي يلتقط التفاصيل ويعرضها بهدوء. هذا ما يبرر الانعطافات المفاجئة في الأحداث التي صنعها الكاتب في أكثر من نص. ولعل اللغة التي اختار جاد استخدامها في سرده ساعدت على خلق هذه الخصوصية التي امتازت بها النصوص، إذ وظف خبرته في كتابة الشعر لتظهر صفات قصيدته كالتكثيف والاقتصاد اللغوي في معظم القصص، فينجو النص من الثرثرة واللغو ويُستفاد من كل جملة وتوظف في المكان الصحيح رغم الحضور الواضح للتشابيه والاعتناء المقصود بالوصف.
أجواء عدة يتسلل إليها الكاتب، العلاقات العاطفية والإنسانية، والمغتربات، والطفولة. إلا أن الحرب ومناخاتها القاسية تبقى الخلفية الرئيسة للنصوص، يغرف الحاج من ذاكرتها ليروي قصصه. الحرب التي قد لا تنتهي حتى ينتشر «فوبيا الدم» وهو المرض الذي يجعل المرء يفقد وعيه كلما رأى نقطة دم. هذا ما تقوله إحدى شخصيات قصة «الفوبيا الجميلة».

في مناسبة صدور مجموعة «ثلاثون حكاية» (بيسان)، دعت نايلة بسترس صحناوي إلى لقاء مع جاد الحاج عند السابعة من مساء اليوم الخميس، في «قصر الصحناوي» (مار نقولا/ الأشرفيّة). تشارك في القراءات سوزي الحاج وكاتيا الطويل، مع عزف منفرد على الكلارينيت ليارا كوروميليان.
للاستعلام: 01/218731