القاهرة | من الطبيعي أن تكون أغلب قصص العدد الثاني من مجلة «توك توك» المصرية مستوحاة من وقائع الثورة. روح التمرّد التي ميّزت عددها الأول كان لا بد من أن تتجاوب مع روح «25 يناير» التي أطلقت العنان لطاقات إبداعية ألهمت آلاف المواطنين. والـ«توك توك»، لمن لا يعرفها هي تلك العربة الصغيرة التي يتنقل بها الناس في الأحياء الشعبية في مصر. و«أيّ تشابه بين «توك توك» وإحدى المركبات التي ظهرت أخيراً، في مقطع تداولته وسائل الإعلام العالمية والمحلية، هو من قبيل المصادفة غير المقصودة»، تلفت المجلة في إشارة إلى ظهور القذافي في مركبة صغيرة تشبه هذه السيّارة.العدد مُهدى إلى «أرواح الشهداء وأبطال مصر الشجعان»، لكنّ «توك توك» لم تنسق وراء حملات الإشادة بـ«ثورة الشباب». محرّرو «توك توك» لم يؤكدوا «استثنائية» الحدث، بقدر ما ركّزوا على وجوه الشبه بين ما شهدته مصر منذ ٢٥ كانون الثاني (يناير) وانتفاضات أخرى في التاريخ. في «داني الأحمر ـــــ فتى الحي اللاتيني»، يرسم أنور طلّاب فرنسا وعمالها الثائرين في شوارع باريس سنة 1968، مستخدماً بعض مسميّات معارك ميدان التحرير، على غرار «موقعة الحي اللاتيني».
وفي الباب المخصّص لإبداع الأجيال السابقة اختيرت «أسئلة» الراحل محيي الدين اللبّاد عن انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بتجارب الشارع المصري أثناء الثورة: من «لماذا تلقي النساء دائماً بخزين البصل في الشارع؟»، و«ما معنى كلمة محاجرة؟»...
أما بالنسبة إلى مصر، فيرسم فنّانو المجلّة التي تعنى بفنون الكوميكس، بسخرية «حنيّنة» تفيض بمحبّة للناس. نشير إلى شناوي البارع في رصد «لقطات» تعبّر عن الـ«جو» العام. وقد وصف هستيريا التصوير التي انتابت المواطن أيام الثورة، من البنات اللواتي اكتشفن لعبة التصوير أمام الدبابات مع الجنود، إلى رب المنزل الذي يصوّر المتظاهرين وهو في طريقه إلى العمل.
السخرية اللاذعة تطاول كل شيء: سخرية من الذات ومن حمّى الترشّح لانتخابات الرئاسة التي انتابت الأوساط السياسية في قصة مخلوف «عيد ميلاد جرحي أنا» الذي يرسم فيه نفسه حالماً بأن يُصبح رئيساً للبلاد. في «أوهام الحرب النفسية»، يسخر خمس كم ووسيم معوض من محاولات وسائل إعلام النظام المستميتة لنسب الثورة إلى «عناصر خارجية مندسة» ــــــ من أميركيين وإيرانيين وقطريين وأسماك القرش ــــــ في إشارة إلى اتهام بعض رموز نظام مبارك إسرائيل بمهاجمة هذه الحيوانات المؤذية للسياح في شواطئ البحر الأحمر!
في «بيقولك»، يتمرّد هشام رحمة وتامر عبد الحميد على قوة الإشاعة التي تجعل المواطن يصدّق أي شيء، ويواجهان بكائن خرافي يجهر بالصوت: «أنا النظام اللى بيقول بيقولك»، قبل أن يتحطّم في مواجهة صرخة «الحقيقة»، ويتساءل الفنانان في النهاية: «تفتكر الناس هتبطّل بيقولك؟». أما في «عدم تنظيم القاعدة» فيلعب مخلوف على معاني كلمة «القاعدة» المختلفة، متناولاً «أسباب تضخّم القاعدة» التي لا صلة لها بالسياسة على الإطلاق...
هناك في العدد قصص مستوحاة مباشرة من معايشة الثورة، على غرار «أم الكراتين» لأنديل. تروي القصّة كيف وجد محررو «توك توك» أنفسهم «يومَ الغضب، 28 يناير»، أمام كمين من ضباط أمن مركزي، وهم يحملون كراتين فيها نسخ من عدد المجلة الأول، وينجون بأعجوبة من الاعتقال. يحتوي العدد الثاني أيضاً على قصص لا علاقة مباشرة لها بالثورة، مثل «طارت» لميجو، و«شريط» عبد الله، وكذلك على قصص تهكمية ممتعة من ذكريات الطفولة لأنديل. عدد جديد من 60 صفحة يؤكد موهبة هذا الجيل من الرسامين ويجعلنا ننتظر الأعداد المقبلة بمزيج من الشوق والفضول.