القاهرة | المصادفة وحدها جعلت 22 حزيران (يونيو) الجاري موعداً لانطلاق عرض فيلم «حاوي» في صالات القاهرة. في اليوم نفسه، تُختتم فعاليات «مهرجان قبل العاصفة ـــــ سينما عربية مستقلة» في برلين. خلال هذه التظاهرة، يحتفي «معهد غوته» بسينمائيين عرب ممن حملوا على عاتقهم مشروع السينما المستقلّة، ومنهم صاحب «حاوي» ابراهيم البطوط. سيعرض المهرجان أربعة أفلام طويلة منها فيلم البطوط الأول «عين شمس» الذي تطوع لإنجازه مجموعة سينمائيين، وأنتج بأقل تكلفة ممكنة، وخاض ـــــ في غياب التصاريح ـــــ معركة التأسيس لسينما روائية مستقلّة. وفي السياق نفسه يعرض المهرجان فيلم «ميكروفون» لأحمد عبد الله. يمكن القول إنّ البطوط وعبد الله يمثّلان جناحي الريادة في معركة السينما المستقلة في مصر. ليس فقط بأفضلية السبق، بل بحفنة الجوائز التي حازاها لأفلامهما الأربعة، «حاوي»، و«عين شمس» للأوّل، و«هليوبوليس»، و«ميكروفون» للثاني. لم تكن معركة هذين السينمائيّيْن إنتاجية فحسب، بل فنيّة كذلك، واستكملاها بالكفاح من أجل كسر الدائرة المهرجانية، وإيجاد ثقوب للمرور إلى صالات العرض التجارية. لم تحقق أفلامهما نجاحاً تجارياً بمقياس شباك التذاكر، لكنّها حقّقت الحد الأدنى وفقاً لعدد صالات عرضهما، ومقارنة بكلفة الإنتاج المحدودة جداً. معركة من مكاسبها استحضار تكنولوجيا الديجيتال، والكاميرات المحمولة، وعالم الفن المستقل، و«نجومه»: مسرحيون، وتسجيليون، وفرقا موسيقية مغايرة للسائد، وغرائبيون، وتجريبيون، وباحثون عن فرصة، ومتطوِّعون، ومموِّلون صغار، وجهات تمويل تبحث عن فن يحتاج إليها. كلُّها تجارب أضافت السينما إلى عالم كامل من الثقافة المستقلة نشأ في مصر، وضم مراكز ثقافية، ودور نشر، وفرقاً مسرحية، إلخ.لكن البطوط وعبد الله ليسا الوجهين الوحيدين في التظاهرة البرلينية. فقد قدّم المهرجان 6 أمسيات عرضت في افتتاحها 12 فيلماً قصيراً، ضمن مشروع «آراب شورتس» الذي ينفذه «معهد غوته» منذ ثلاثة أعوام في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. لا يعرف كثيرون أنّ المشروع يعرض على موقعه الإلكتروني عدداً من أهم الأفلام الروائية القصيرة في العالم العربي، مصنّفة بحسب دولة الإنتاج وجنسية المخرج. من ضمن هذه الأفلام فيلم «واحد في المليون» للمخرجة المصرية نادين خان، ابنة محمد خان الذي تشهد القاهرة هذه الأيام حملة لمنحه الجنسية المصرية. سيعرض المهرجان أيضاً فيلم نادين الروائي الطويل «هرج ومرج» معرّفاً بها وبعملها، بصفتها مساعدة مخرج مع عدد من السينمائيين، منهم يسري نصر الله ونبيل عيوش.
أما ضيفة المهرجان الرابعة، فهي باميلا غنيمة من لبنان. المخرجة القادمة من حارة حريك في بيروت، كتبت وأخرجت عدداً من الأفلام المستقلة منها «زهر الليمون»، وهو بالمصادفة اسم رواية شهيرة للمصري علاء الديب. الفيلم الذي لا علاقة له بالرواية يتناول هجرة العائلات المسيحية من ضاحية بيروت الجنوبية، وحلول العائلات الشيعية بدلاً منها، بعد العدوان الإسرائيلي على الجنوب. تعرض غنيمة ذكريات عائلتها في الضاحية، في اتساق مع اتجاه أساسي في السينما المستقلة، يتمثل في التأمل الهادئ للأمكنة، والتغيرات التي لحقت بها. على المنوال نفسه تقريباً، يغزل إبراهيم البطوط فيلمه «حاوي»، الشريط الذي يشارك المخرج في بطولته بالاشتراك مع حنان يوسف، ومحمد السيّد. شخصيات ثلاث تلتقي بعد غياب طويل، وقد تغيرت الأمكنة والظروف، فهل تغير الناس؟ لا يغادر «حاوي» الإسكندرية، تماماً مثل «ميكروفون». لكن فيلم عبد الله يقدم اسكندرية أخرى، مدينة الفرق الموسيقية المستقلة، والباحثين عن طموحهم الفني فوق أسطح البنايات، وداخل الكاراجات، وعلى أرصفة الشوارع. مدينة تختلف عن اسكندرية «حاوي»، علماً أن البطوط استوحى فكرته من أغنية منحت الشريط عنوانه، وكتبها محمد جمعة وغنتها ـــــ في الواقع وفي الفيلم ـــــ فرقة اسكندرية مستقلة هي «مسار إجباري».
«قبل العاصفة»: حتى 22 حزيران (يونيو) الجاري ـــــ «كينو أرسنال» (برلين).
www.goethe.de/ins/eg/kai/arindex.htm