«شو صار؟» (2010) للسينمائي اللبناني ديغول عيد، و«الأيام الخضر» (2009) للإيرانية هانا مخملباف، و«كونفورتينو» (1992) و«غوستانزا دا ليبيانو» (2000) للإيطالي باولو بينفينوتي، و«أغنية العروسة» (2008) للفرنسية كارين ألبو... لكل واحد من هذه الأفلام قصته مع الرقابة، ولكل منها ملفه الخاص في أحد أدراج الأمن العام. من هنا أهميّة أن تعرض أخيراً في بيروت، ولو في اطار ثقافي محصور، ضمن «مهرجان الأفلام الممنوعة» الذي تنظّمه كوليت نوفل بين 22 حزيران (يونيو) الجاري و26 منه، في صالة «بلانيت أبراج»، بدعوة من إدارة «مهرجان بيروت الدولي للسينما».تفتتح العروض عند الثامنة من ليل الأربعاء المقبل مع شريط «أغنية العروسة»، يليه عند العاشرة «كونفورتوريو». لكن الفيلم المنتظر هو «شو صار؟» الذي يبقى في المنع هو الأعلى، إذ منع عرضه في ثلاثة مهرجانات متتالية العام الماضي هي «مهرجان الفيلم اللبناني»، و«أيام بيروت السينمائية» و«مهرجان بيروت الدولي للسينما» الذي منحه رغماً عن المنع، جائزة لجنة التحكيم الخاصة. الأفلام الباقية بدورها، سبق أن منعت من العرض خلال الدورتين الأخيرتين من «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، لاصطدامها بأحد المحظورات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة...
رأت الرقابة أن فيلم ديغول عيد «يثير النعرات» لما يورده من أسماء أشخاص حقيقيين، شاركوا في مجازر حزبية خلال الحرب الأهلية اللبنانية... أما عرض «الأيام الخضر» الذي يدور في فلك التظاهرات التي شهدتها طهران احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فطلبت السلطات الأمنية تأجيل عرضه بسبب زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد لبيروت. أمّا «أغنية العروسة» فيتناول التعايش الديني في تونس الخمسينيات، قبل أن تتغيّر الأحوال تحت وطأة الحرب العالميّة الثانية. فهل التعايش من المحظورات، أم هو أكبر اتهام للدولة الصهيونيّة؟ أما فيلما بينفينوتي اللذان يندرجان ضمن ثلاثيته حول الهوية، فأزعجا الساهرين على «الأمن الثقافي» لتناولهما زلات الكنيسة الكاثوليكيّة قبل ثلاثة قرون.
والطريف أنّ الفيلمين الإيطاليين المبرمجين في التظاهرة، عرضهما مشروط بإضافة جملة على الشاشة قبل كل عمل، تعلن أنّه عبّر عن رأي المخرج وليس عن رأي الدين المسيحي والكنيسة! كذلك الأفلام جميعها مصنفة لمن هم فوق الـ18 عاماً. صحيح أن الأمن العام فك الحظر عن أفلام يتعطش الجمهور اللبناني لمشاهدتها، إلّا أنّ الخطوة تظل محدودة في المكان والزمان، ولا تمثل تطوراً على مستوى الحق المكتسب الذي يجب البناء عليه مستقبلاً.
«لم يكن الحصول على إجازات العرض سهلاً»، تقول مديرة «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، كوليت نوفل، التي حصلت على رخصة لعرض فيلم «شو صار؟» ضمن أطر ثقافية وأكاديمية، تحت ضغط الضجة الإعلامية التي أثارها منعه. وكانت نوفل تملك أيضاً رخصة لعرض فيلم مخملباف. «طلبت مجدداً رخصاً للأفلام الثلاثة الباقية، حتى تشكل جميعها نواةً لمهرجان الأفلام الممنوعة»: «يمثّل هذا تقدّماً» تقرّ نوفل، لكن «هدفنا الأساسي يبقى إلغاء الرقابة تماماً واعتماد نظام التصنيف بحسب سن المشاهد». ذلك هو مطلب معظم الجمعيات التي تعنى بتنظيم المهرجانات السينمائية، وقد عبرت عنه الدراسة التي أعدها «مرصد الرقابة»، واستخلص منها مشروع قانون اشتركت في مناقشته حالياً 12 جمعية ثقافيّة مستقلّة، بهدف عرضه لاحقاً على المجلس التشريعي.
«في مشروع القانون الذي أعددناه، نقترح إلغاء الرقابة المسبقة على العروض وعلى التصوير. نقترح، في المقابل، اعتماد نظام التصنيف بحسب سن المشاهد»، يقول نزار صاغيّة. يرى المحامي والباحث في بادرة الأمن العام «موقفاً دفاعياً تمارسه الدولة، وتحاول من خلاله التخفيف من حدة قرارات المنع الكثيرة التي اتخذتها خلال الفترة الأخيرة». هي خطوة جيدة، لكنها تظل استثنائية ولا تؤسس لسابقة يمكن البناء عليها: «ما دام لا شيء قد تغير في التنظيم وفي القانون، لا يعد هذا مكسباً، لأنّه يظل مشوباً بالاستنسابية، ويمكن الدولة أن تنقض قرار السماح متى شاءت»، يقول.
ويربط صاغية المرونة المستجدة على مستوى الرقابة بكون المهرجانات «نخبوية»، لا يرتادها إلا جمهور معيّن... لكنّ المطلب الأساسي يبقى تعميم التجربة على الجميع، وإلغاء الرقابة المسبقة من أساسها.

* «مهرجان الأفلام الممنوعة»: ابتداءً من الثامنة ليل الأربعاء 22 حزيران (يونيو) الجاري حتى 26 منه ــــ «بلانيت أبراج» (فرن الشبّاك/ حدود بيروت). للاستعلام: 01/292192 أو 70/141843
* كوليت نوفل ضيفة زافين في حلقة «سيرة وانفتحت» الليلة عن «الأفلام الممنوعة» ـــ «تلفزيون المستقبل»
9:45 ليلاً بتوقيت بيروت