قال عاصي لزياد يوجد فرق نوتة واحدة، قبل أو بعد، صعوداً أو نزولاً، بين الأغنية السخيفة والأغنية البسيطة. هذه القاعدة ـــــ البسيطة هي الأخرى ـــــ اتّبعها عاصي لمعالجة أعمق المسائل بما ما قلّ من الكلمات ودلّ. في الفنّ، والفنّان، والعمل الفني أو الأغنية، قال عاصي الكثير. كان يردّد دائماً: «الفنّ ابن الوعي»، هو الذي لم يحتجْ يوماً إلى الكحول لكي يبدِع، كما يُروى عنه. ولم يكن عاصي يؤمن بوجود الكمال في الإبداع: «المبدع محكومٌ بالعجز عن خلق الكمال». أما عن آلية العمل في هذا المجال، فكان يقول: «لم أكن معتاداً أنصاف الحلول في الفن. الكفاءة عندي أهم من كل شيء. كنت قاسياً حتى على نفسي». في السياق ذاته، سُئل عاصي عن التطور في الفن، فكان جوابه (بالعاميّة): «التطور الفني صعب التكهن فيه، وما بيحْدُث متل التطور العلمي لأنو الجمال صعب تبْني عليه كتير [...] ولهالسبب ما بعرف كيف بدها تتطوّر الغنيّة». غير أنه كان يرى أن للأغنية وظيفة واضحة في المجتمع: «تدخل الأغنية إلى بيوت الناس كالنسمة، والضوء، والشمس، وهي تساهم إلى حدٍ كبير في بناء نفوس الناس. من هنا كان واجب الذين يضعونها أن يسهروا عليها لتكون نسمة خير».
وفي ما خصّ الإنسان الفنان، كان عاصي مؤمناً بثابتةٍ لا جدل حولها: «الفنان الحقيقي هو اللي بيعبّر عن نفسه بإخلاص».
من ناحية أخرى، عُرِفَ عن عاصي الرحباني قلقه الدائم. توأمه في المشروع الفني، منصور، قال إنّ عاصي كان يعيش القلق الميتافيزيقي، القلق الماورائي، وإنّه كان يفتّش عن الحقيقة. يقول عاصي: «القلق يصاحبني أينما ذهبت. إنه يجلس معي، ويجب أن أكمل الطريق لأصل إلى السعادة». وربما في الاتجاه ذاته، أتى كلامه عن الهدير الذي كان يضجّ في رأسه فيقول: «هذا الهدير يسمّيه جبران (خليل جبران) هدير السكون. هو هدير في العمق يرافقني منذ زمن طويل قبل الحادثة (أي إصابته بجلطة دماغية في 1972)، ويضايقني إلى حد كبير. أمنيتي الوحيدة اليوم أن يتقدّم الطبّ ويخلّصني من الهدير الذي يرافقني، لأنّني لا أستطيع أن أعيش دقيقة واحدة بلا تلحين وعطاء» (1982).
بعيداً عن الفن، كان عاصي «بيتوتياً» كما وصفه منصور. أحبّ الأولاد وعَنَت له الطفولة كثيراً. قال (بالعامية): «الإنسان اللي بيجيب ولاد ع الأرض، مجبور ينتظرهن ويشوفهن عم يكبروا ويحبن أكثر. لأنو الولاد هنّي الحياة». وأيضاً: «دايماً في أجيال بدّها تجي، وولاد يلعبوا بالشمس». لكن للطفولة بعداً آخر عند عاصي: «...أحب الطفولة كثيراً ولم أزل واقفاً على عتبتها. أنا خادم الطفولة».
وعن فيروز الفنانة، قال: «وجود فيروز، بقدْر ما هو مساعد على إضفاء الجمال، بقدْر ما هو متعب، لأنّه يفرض على الأغنية أن تظلّ في مستواها. إنه يضايقني بقدْر ما يريحني. لأنه، بنسبةِ ما تؤدي لحناً ممتازاً، فهي تتطلب لحناً ممتازاً». وعن فيروز المرأة و«ست البيت»: «أحب في فيروز المرأة، صراحتها. إنها صريحة جداً... وتحب البيت أيضاً. عندما تنهي حفلاتها، تعود امرأة الداخل الطيّبة التي تهتمّ بأطفالها كأي أم أخرى، وتدير شؤونها البيتية بنفسها».
ختاماً، يرى بعضهم أن زياد لا علاقة له فنياً بالأخوين رحباني، البعض الآخر يرى فيه امتداداً لهذه المدرسة. وهذا رأي عاصي: «زياد هو فعلاً ابن العائلة الرحبانية وقد انطلق منها. زياد لا يكون رحبانياً إذا لم يكوِّن عوالمه الخاصة وشخصيته المميّزة».