منذ حوالى ثلاث سنوات، افتتحت «مهرجانات بيت الدين» برنامجها الفنّي بتحية إلى المطربة الراحلة أسمهان. يومها مثّل اسم الفنانة الكبيرة حافزاً أساسياً لجمهور الطرب. أما المغنية المغربية كريمة الصقلي، التي «أدّت التحيّة» لأسمهان، فلم يكن يعرفها إلّا من كان قد وقع على ألبومها الخاص «وصلة» الصادر عن «معهد العالم العربي» في باريس عام 2006. في تلك السهرة الطربية القائمة على كلاسيكيات أسمهان، لم تكن فقط الأنغام القديمة نواة الجمال، بل فوجئ الجمهور بالصوت القوي والمتمكِّن من الموسيقى الشرقية والطرب. فكريمة معروفة في المغرب العربي، لكنها مغمورة نسبياً في لبنان.مساء اليوم، تعود كريمة الصقلّي لتكرار التجربة في لبنان، لكن خارج إطار المهرجانات الصيفية التي تنطلق بعد أيام قليلة. هذه المرّة السهرة في «قصر الأونيسكو»، وعلى برنامج الصقلّي باقة من كلاسيكيات الطرب، من أسمهان إلى محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وسعاد محمّد. أمّا الفرقة الموسيقية التي تعمل تحت إدارة عازف القانون غسان سحّاب، فهي عبارة عن تخت شرقي موسَّع، ويضمّ طوني سويد (ناي)، محمد البرفت، علي حسن ووائل سمعان (كمان)، ربال كلّاب (تشيلّو)، عفيف مرهج (عود)، بشار فرّان (كونترباص)، جوزيف سجعان (أكورديون) وسلمان بعلبكي وخالد ياسين (إيقاعات).
في عام 2006 أصدرت كريمة الصقلي ألبوماً بعنوان «وصلة»، وهو، كما يدل الاسم، عبارة عن وصلة موسيقية وغنائية شرقية كلاسيكية في مقام الراست. كتب نصوص هذا العمل الشاعر التونسي أحمد فتحي، فيما تولى التأليف الموسيقي والتلحين الفنان التونسي لطفي بوشناق. تعاني هذه الوصلة تفاوتاً في جمال الألحان التي كتِبَت خصّيصاً لكريمة، علماً أن أداء الأخيرة أتى على مستوى عالٍ من الخبرة. نبرة لافتة، بحّة حنونة تحضُر وتغيب بما يتناسب مع الموقف الشعري/ اللحني، عُرَب عفوية تدل على تمرّس بهذا اللون الغنائي... ولثغة طفيفة، غير مزعجة، يمكن وصفها بـ «لثغة الحُسْن».
على أي حال، «وصلة» هو تجربة جيدة في مسيرة كريمة الصقلّي، لكنها غير كافية. مع الإشارة إلى أنها الباب الوحيد للوصول إلى صوت الفنانة المغربية المسجّل، خارج إطار الحفلات، كما يمكن اعتبار «وصلة» محاولة ضرورية في مجال الشرقي الكلاسيكي، غير معوّلة على استعادة روائع معروفة، ما يبعد احتمال المقارنة بين الصقلّي والمغني الأصلي للعمل المستعاد، لكن من الضروري أيضاً، الانتقال إلى مرحلة تالية، تبتعد عن الشرقي الكلاسيكي جداً، وكذلك عن استعادة الكلاسيكيات، وذلك لمخاطبة الجمهور الشاب، من أصحاب الذائقة غير التجارية طبعاً.