هل يحتاج الشعر إلى الكثير من الشعرية كي يقنع القارئ بجودته؟ هل تتضرر القصيدة بسبب إسراف صاحبها في شعرنة الكلمات؟ تساؤلات كهذه تصاحب قراءة ديوان «غفوة في نمش الكتفين» (الغاوون)، وهي الرابعة لسعد الياسري، بعد «منسأتي» (2005) و«ليس يُنجيك المسير» (2007) و«أعادت ترسيم المعنى بخلخال» (2008). لا يكتفي الشاعر العراقي المقيم في السويد بكتابة قصيدة مخلصة لإيقاعات التفعيلة، المصحوبة أحياناً بقافية أو منجزة على بحور العروض. فهو يُخضع لغة هذه القصيدة، لعناية معجمية وبلاغية فائقة، غالباً ما تتحول إلى عبء على مرونة المعنى، وتؤثر بالتالي على عملية التلقي. هناك زحمة استعارات، وتوشيات، وتزويقات، تعترض سبيل القارئ بدل أن تدفعه إلى الاستمتاع بما يقرأه. العناية نفسها تسري على عناوين القصائد، المحكومة بعنوان أصيل وآخر بين قوسين يشرح الأول أو يضيف إليه. بطريقة ما، يصبح التكثير استعراضاً لمهارات لغوية، ينبغي دفنها في طيات القصيدة. لنقرأ هذا المقطع: «من بين أظفار التياعكِ سرِّبي شبق السوانحِ/ سوف أبلغ مجمع الليمون/ اقرأ ما يسيلُ من ارتباك اللوز/ محنته/ وأعصمُ مَن سوانا عن مراودة السحابة/ مثل جائعةٍ ـــــ أراكِ ــــ تقدُّ من قُبُلٍ قميصي/ هاكِ كفي/ كي يطوقنا المدى/ جفل المريد/ ولاثَ في دمه السُّدى». لا يشكو هذا الشعر من ضعف اللغة أو ركاكة التعبير، لكنّ استخدام الكثير من المحسِّنات يحوّله إلى أكروبات بلاغي صاخب. المشكلة موجودة في ممارسات الشاعر، وطريقة تصريفه لما يمتلكه من طموحات ومهارات. هناك رغبة في نثر المزيد من السكَّر على لغة تحتفظ فصاحتها بحلاوة مسبقة الصنع.
«ارتباك اللوز» في المقطع السابق هو جزء من أسلوبية مكرورة، إذْ نقرأ عن: «نفرة الأجاص»، و«كمثرى الحقيقة»، و«محنة التوليب»، و«ارتباك الهندباء». الحب حاضر بكثافة، لكنه خاضع للمبالغات ذاتها، حيث المرأة المشتهاة «كالبحيرة خصرها»، ولها «ارتعاش اللوز»، وهي «الجهاتُ وتيهي والبوصلة»، وهي «جبريلٌ قميصكِ/ فاصفعي بالكُمِّ خاصرتي لأشهقَ بالنبوة». لا تتغير الحال حين يفتقد الشاعر بلاده البعيدة في نهاية الديوان: «أنا والعراق حقيقتان/ وسنرشد المعنى إلى شغب التضاد/ سنرتمي فوق الخناجر/ مثل صوفيّين يُمتحنان في حب الإله (...) سنخوض في حِيَل الطِّباقْ/ سأموت قبله أو يموت/ وأنضوي حبراً إلى أبد المكان».