«سيّدي الوزير، التنوّع الثقافي والموسيقي، ما زال إلى اليوم مخنوقاً في فرنسا الأنوار (...) أتفهّم تماماً الأشخاص الذين لا يحبّون هذه الموسيقى. لكنني أتمسّك بحق مئات الآلاف من الفرنسيين بسماعها والتمتّع بها. البارحة Led Zeppelin، واليوم «ميتاليكا»، و«أوبيث»، و«إيبيكا»، و«أدجيو»، و«ماس هستيريا»... كلّها فرق أنصحك بالاستماع إليها. كل هؤلاء الموسيقيين يمكن مشاهدتهم في المهرجانات القادمة، وخصوصاً في الـ Hellfest، أكبر مهرجان روك ـــــ ميتال في فرنسا». هذا ما قاله النائب الفرنسي اليساري فيليب روا، متوجهاً إلى وزير الثقافة فريدريك ميتران، خلال جلسة صاخبة لمجلس النواب الفرنسي عام 2009، محتجاً على سياسيين تهجموا على الـHellfest. تظهر فرنسا هذا العام كأرض مختارة لموسيقى الروك ـــــ ميتال. يستقبل الـ Hellfest 80 ألفاً من عشّاق الميتال في كليسون قرب مدينة نانت، ما يجعله أحد أكبر مهرجانات الروك ـــــ ميتال في العالم، منافساً نظيره الألماني Wacken Open Air. أقيم الـ Hellfest للمرّة الأولى عام 2006، واستقبل 22 ألف شخص. وبقي عدد المشاركين يتزايد إلى أن بلغ هذا العام حدّ الاستيعاب الأقصى. يقام المهرجان سنوياً في أواخر حزيران (يونيو) ويستمرّ ثلاثة أيام، ويضم مئة فرقة تتركز موسيقاها على أنواع الميتال المختلفة، كالـ Heavy، والـ Thrash، والـ Black، والـ Death.
استطاع الجمهور هذه السنة حضور أمسيات لفرق عريقة، تغنّي منذ عشرات السنين، لكنّ الفرقتين اللتين كان يجب سماعهما حتماً هما الـ«سكوربيونز» و «جوداس بريست». ليس فقط لأجل الموسيقى والأسطورية التي تصنعانها، لكن أيضاً لأنّهما تقدّمان آخر حفلاتهما قبل التقاعد.
خلال المهرجان، كان لافتاً حضور Orphaned Land، فرقة إسرائيلية يُقال عنها إنها يسارية ومناصرة للقضية الفلسطينية ومبشّرة بالسلام بين المسلمين واليهود. لم يتردّد المغنّي المرتدي زيّاً شرقيّاً بالتذكير بذلك، قائلاً لجمهوره الذي ضمّ عرباً أيضاً إنّه داعية سلام، وإنّ ما فرّقته السياسة تجمعه الموسيقى! كانت هناك أيضاً راقصة شرقية قال عنها المغني إنّها لبنانية. وفي آخر أغنيّة Norra El Norra التي تجمع الموسيقى العربية بالميتال والكلمات العبرية، رفعت الراقصة العلم اللبناني، ورفع المغنّي العلم الإسرائيلي وضمّه إلى اللبناني، داعياً للسلام. يا ليت النيات الحسنة كافية للقضية الفلسطينية وتحرير اليهودية من الوباء الصهيوني.
صلبان، وشياطين، وجهنّم، وشعارات وثنيّة، وثياب مثيرة... كلّها رموز يصعب فهمها لمن لم يدرس رمزيّة موسيقى الميتال، ولمن اعتاد تعليب الحقيقة الإنسانيّة والدينية والثقافية في نظرته الضيّقة للوجود والإنسان. كانت لدينا عيّنات من هذه النظرات في لبنان وما زالت، يوم عُدّ محبّو الميتال عبدةً للشيطان، أو أعداءً لله والدين... كل هذه الاعتبارات نابعة من جهل مؤلم لحقيقة الأمور. الغالبية الساحقة من محبّي هذه الموسيقى متنوعو التوجهات والمشارب. وما رموز الشيطان والجحيم، اللذين لا يؤمن بوجودهما أحد تقريباً من محبّي الميتال، إلا صور فنيّة للتعبير عن التمايز ورفض تقاليد إنسانية ودينية معيّنة تثقل الإنسان.
لم يستطع باتريك روا حضور المهرجان. توفّي في 2 أيّار (مايو) الماضي عن 53 عاماً. ولم يتوانَ الـ Hellfest بتكريم ذكراه. بعد حفلة الـ«سكوربيونز» منتصف ليل السبت، تجمّع عشرات الآلاف في باحة المهرجان وأنشدوا معاً أغنية: For Those About To Rock We Salute You.
ما هي هذه الموسيقى الصاخبة والعنيفة المسماة ميتال؟ يصعب إعطاء إجابة؛ لأنّ هذه الموسيقى كالحب، لا يفقهها إلا من اختبرها وعشقها. ونذكّر هنا بالإجابة التي أعطاها الفيلم الوثائقي العلمي الرائع Metal :A Headbanger›s Journey (2005): «إنّ الميتال هو قوّة روحية، هو السبيل المباشرة التي يتبعها محبّو هذه الموسيقى لملاقاة الله...».