يُصدر الشاعر السوري أدونيس العدد الأول من مجلته «الآخر» (صيف 2011)، فيما تجتاح العالم العربي موجة انتفاضات، يشهد وطنه أحد تجليّاتها. ثورات تطيح نظم الأفكار القديمة والسياقات الثقافية المتوارثة... فهل تكون المجلة «الأدونيسية» جزءاً من المشهد الجديد، أم ستجترّ لغةً وأفكاراً قامت الثورات ضدّها؟ هل «الآخر» يندرج في سياق الجدل التقدّمي القائم على الغيريّة والاختلاف، أم هو جسر لتسويات وتنازلات للغرب المهيمن وشروط لعبته؟إلى جانب صاحب «الكتاب»، تضمّ هيئة تحرير «الآخر» التشكيلي الفلسطيني كمال بُلاطة الذي صمّم اللوغو اللافت للمجلّة، ورجل الأعمال والكاتب السوري الأوكراني حارث يوسف. وتؤكّد الهيئة في افتتاحية العدد الأوّل، أنّ المجلة تمثّل رديفاً لما يحصل على الأرض من تحركات واحتجاجات تعمّ البلاد العربية، وستسعى «إلى تثوير الحياة الثقافية العربية وطرح الأسئلة الشائكة التي يخشى الآخرون طرحها». لكنّ «المجلة لن تعالج الأحداث الأخيرة «من وجهة نظر سياسية، وخصوصاً أنَّ ما يحصل يحتاج إلى تأمُّل وهدوء وعقلانية، تبتعد عن المواقف الانفعالية».
وكان أدونيس قد أثار جدلاً واسعاً أخيراً بعد الرسالة التي وجهها إلى الرئيس السوري؛ إذ انتقد تاريخ حزب «البعث» وأخطاءه، آخذاً في المقابل على المعارضة عدم طرحها برنامجاً واضحاً للتغيير. رسالة أثارت انتقادات واسعة، وردّ عليها الشاعر اللبناني عباس بيضون قائلاً: «ليس من المعقول أن نجد مكان الدم أفكاراً، ومكان الجثث تجريدات». فأين ستكون «الآخر» من الحراك التغييري في المنطقة العربيّة، بين حلم التقدّم وفخاخ الردّة والوصايات الجديدة؟
العدد الأوّل من المجلة، جاء بتصميم أنيق وقّعه كمال بُلاطة. وفي المضمون، تحتوي «الآخر» على محور عن الآخرية، شمل أبحاثاً في التاريخ والديانات والمرأة. تقترح المجلّة نفسها «مكاناً للمغامرة»، و«وسيطاً لتوليد المغامرات»، وقد شُغلت في محورها الرئيسي بقضايا الثقافة العربية والإسلامية. هنا تبرز هواجس أدونيس القديمة/ المتجددة في البحث عن فلسفة عربية معاصرة، وهاجسه القديم بعدم قدرة العرب على تقديم فيلسوف على مستوى العالم.
أحد أهداف المجلة ـــــ بحسب هيئة التحرير ـــــ إعادة النظر في الثقافة العربية والغربيّة أيضاً. «نسعى إلى نقد مزدوج، بعدما جعل عصر العولمة المشتركات كثيرة بين الثقافتين، مع الانتباه إلى أن المشاركة العربية بقيت على صعيد الاستهلاك التقني والشكلي». يبدو أنّ نهج «الآخر» سيكون تعميقاً لخط مجلة «مواقف» التي أصدرها أدونيس بين 1969 و1994، «لكن مع التجاوز والتطوير، وفتح إمكانات نقدية جديدة أكثر انفتاحاً على الثقافة الغربية»، تلفت هيئة التحرير.
ابتعدت مواضيع المجلّة عن الذاتيّة، معتمدةً الشكل الأكاديمي الرصين، ما جعلها أقرب إلى التجريد الذهني منها إلى إشكاليات الواقع وإرهاصاته. وهذا ما تنفيه أسرة التحرير، مشيرةً إلى أنَّ «هناك سياقاً عاماً للمقالات والأبحاث»، و«أنّ المواضيع المطروحة هي في صلب القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تعانيها مجتمعاتنا، لكنَّ طريقة المعالجة لا تقوم في مجلّتنا على الانطباعات والهواجس الشخصية، بقدر ما تنحو إلى أبحاث ودراسات تشرّح الواقع». وقد وقّعت الأبحاث على صفحات المجلّة أسماء مكرّسة، مثل أحمد برقاوي، ويوسف سلامة، وكمال بلاطة، إلى جانب أسماء أخرى في محاولة لإعطاء مساحة للشباب.
لا تعتمد «الآخر» في تمويلها ـــــ كما أشيع ـــــ على «رعاية» الشيخ محمد بن راشد آل المكتوم حاكم إمارة دبي، بل يدعمها أحد المتمولين السوريين المغتربين. ولا يجد أعضاء هيئة التحرير حرجاً في أن يكون معظم كتّاب المجلة من سوريا؛ إذ يؤكدون أنهم أرادوا تجديد طرح أسئلة الثقافة العربية من سوريا تحديداً، لما قدمه هذا البلد من مبدعين أسهموا في محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة.
هل تنجح المجلة «الأدونيسيّة» في إحداث اختراق جديد في الثقافة العربية، كما فعلت مجلة «مواقف» في الستينيات؟ وهل ستكون قادرةً على إعادة ترتيب الأولويات من الشارع إلى الكتب، لا من الكتب إلى الشارع؟