الدار البيضاء| لم تمرّ على خير تغطية قناة «دبي» للحملة التي سبقت الاستفتاء الدستوري في المغرب. يبدو أن إصرار مراسل المحطة جلال المخفي على عرض وجهات نظر مختلف الأفرقاء السياسيين بمن فيهم «حركة 20 فبراير»، أثار غضب وزير الاتصال المغربي خالد الناصري. هكذا انتقد الوزير المغربي في اتصال مع المحطة تغطية المخفي للحملة قائلاً «أريد أن أعطي بعض التوضيحات رداً على ما تفضل بهم مراسلكم الذي تحدّث بمنطق المعارِض (...) كل ما قاله المخفي مخالف للحقيقة...». وأضاف الناصري أن المراسل عضو فاعل في «حركة 20 فبراير» «وقد نصّب نفسه مدافعاً عنها».
قد يبدو هذا الحوار عادياً ولا يخرج عن طبيعة السجالات التي اعتادتها القنوات العربية في الفترة الأخيرة. إلا أن المفاجأة كانت في توقيف المراسل جلال المخفي، وشقيقه رئيس تحرير الأخبار في «دبي» عمر المخفي عن عملهما بعد يومَين من هذا الاتصال!
وبعد عملية الصرف، بعث عمر المخفي، وهو عضو في «ملتقى الصحافيين المغاربة بالخارج» رسالة إلى «منتدى التجمع الإلكتروني». وجاء في النص: «وصلتني في 21 حزيران (يونيو) الماضي رسالة من «مؤسسة دبي للإعلام» تعلمني فيها بإنهاء خدماتي في «تلفزيون دبي» بعد ثماني سنوات قضيتها رئيس تحرير». وأوضح الصحافي المغربي أن القناة طلبت مغادرته فوراً من دون احترام أي مهل قانونية. وأضاف: «لم تردني بشكل رسمي أي توضيحات بشأن القرار، لكنني أُبلغت شفهياً بأنه لا يوجد أي مأخذ مهني، أو إداري، أو شخصي عليّ. إنّما اتُّخذ القرار لأسباب سياسية مرجعها الأول والأخير موجود في المغرب». ورغم أن المخفي لم يشر إلى وزير الاتصال بالاسم، بدا اتهامه بالوقوف خلف هذه الحادثة واضحاً.
إذاً هل تدخ!ل الوزير المغربي لدى السلطات الإماراتية؟ أم اتخذت القناة قرار الصرف من تلقائياً؟ خالد الناصري ينفي أن يكون له يد في هذه الحادثة «أنا لا أخاف، وإن كنت مارست ضغوطاً لإقالة الصحافيَين لاعترفت بذلك». أما مقربون من الوزير فصرّحوا لصحف مغربية ـــــ من دون الكشف عن هوياتهم ـــــ بأن قرار طرد الأخوَين المخفي جاء بعدما اكتشفت «دبي» أن الرجلَين أسسا مع زميل مغربي ثالث شركة إنتاج كانت تبيع أعمالها للمحطة. وبغض النظر عن كل هذه التبريرات، يؤكد عمر وجلال المخفي أن إنكار الوزير وقوفه خلف عملية الصرف «مجرد كلام واهٍ». ويؤكد عمر أن الناصري لم يكن وراء إقالته شخصياً «لكنه ضغط بقوة لدى السلطات السياسية الإماراتية من أجل إقالة أخيه مستغلاً بذلك سلطته السياسية... وهو أمر خطير». أما الدافع خلف إقالة جلال فهو انتماؤه لـ«حركة 20 فبراير»، رغم «حفاظه في التقارير الصحافية التي أنجزها على المهنية» يؤكد شقيقه قبل أن يضيف: «اتهم الناصري المراسل (جلال) بمجافاة المهنية واتخاذ موقف متحيز مع «حركة عشرين فبراير». وهو أمر لا يمكنه إثباته لأن التلفزيون يفضحنا، أي إن عملنا يُبثّ على الهواء مباشرة ولا يمكن إخفاؤه». وأشار إلى أن هناك أكثر من رقابة على المحتوى في «تلفزيون دبي»، «تبدأ مع رئيس تحرير قسم المراسلين، وتستمر مع رئيس تحرير النشرة وأحياناً مع مدير الأخبار نفسه... أي يجب أن يكون المراسل شيطاناً كي يمرر كلمة واحدة لا تتفق مع الخط التحريري للقناة، والجميع يعرف أن هذا الخط هادئ ومتوازن». وتأكيداً على كل ما سبق، يقول عمر المخفي إن خالد الناصري اتّصل مباشرةً بسكرتيرة قسم المراسلين في المحطة «وهدّد بمحاسبة المراسل سياسياً... قبل أن يتدخّل مباشرة لدى السلطات السياسية لدولة الإمارات...».
وطالب عمر المخفي الوزير المغربي بالاقتداء بوزير الإعلام الأردني طاهر العدوان الذي استقال احتجاجاً «على ما رآه مناخاً مناهضاً لحرية الإعلام في بلده وعلى مشاريع قوانين تضيّق على حرية الصحافة قدمتها الحكومة الأردنية أمام البرلمان... كان الأجدر بخالد الناصري أن يتخذ خطوة مماثلة لأن عهده القاتم شهد أكبر عدد من عمليات إغلاق الصحف ومحاكمات الصحافيين وسجنهم».
من جهتها، رأت منظمة «مراسلون بلا حدود» أن الوزير مُدان في هذه القضية. وأشارت في بيان لها: «ندين تدخل وزير الاتصال المغربي الشخصي للنيل من رأس الصحافيين، فمن غير المقبول أن يستغل ممثل عن الدولة سلطته على هذا النحو. لقد أصبحنا بعيدين كل البعد عن وعود الإصلاحات الديموقراطية التي أشار إليها الملك محمد السادس في خطابه في 17 حزيران (يونيو) الماضي. وقد حان الوقت أن تقلب الدولة المغربية صفحة هذه الممارسات البالية من التدخل السياسي في المجالَين الإعلامي والقضائي إذا كانت ترغب في وضع هذه المبادئ الديموقراطية موضع التنفيذ».