في عملهما المشترك «ملك اللوتو» (دار الريس)، يكشف جهاد بزي وبشير عزام أسرار اللعبة الروائية أمام القارئ. يعودان إلى مرحلة ما قبل النص، حيث كواليس اختيار الشخصيات والمواضيع والأحداث والأمكنة تسيطر على السرد. المشهد لا يشغل الكاتبين بقدر ما تشغلهما أدوات صناعته وتقنيات معالجة الأفكار المطروحة فيه. تقنيات تُستخدم للتعبير عن نفسها وللتجريب داخل الوحدات السردية التي تكوّن النص، بصرف النظر عما إذا كانت جزءاً من آليات بناء هذا النص أو مرت بداخله، كلعبة فنية فقط. عبر رسائلهما التي يتبادلانها لكتابة رواية مختلفة، يحاول باتريك عازار الموظف في إحدى الشركات وجوزيف بارود الأستاذ الجامعي المقيم في أميركا، أن يخلقا حياةً لفواز فواز، بطل روايتهما المزعومة. يبدأ أحدهما بجزء من السرد ليكمل الآخر الجزء الثاني. كأن فواز ليس شخصية روائية ناجزة بقدر ما هو ذريعة لاقتراح مساحات مفتوحة للنص يعبّر من خلالها الكاتبان عن هواجسهما الأسلوبية ضمن تقطيع مونتاجي تمرّ عبره أفكار عن الكتابة ومناقشات في اقتراحات وتجارب شكلانية مغايرة.يمتد القسم الأكبر من السرد بين ولادة فواز، وطفولته ودراسته عند شيخ القرية، مروراً بتحوّله إلى بائع لوتو في شوارع بيروت.
يحسن الكاتبان الاختباء وراء شخصيتي باتريك وجوزيف، فلا نستطيع تحديد أمكنة الاختباء داخل السرد أو كشف هوية المختبئين. أيهما جهاد وأيهما بشير؟ لسان من يتحدث الآن؟ أسئلة قد تراود القارئ كلما مرّ على فصل من فصول الرواية. تأتي الإجابة من مكان آخر حيث اللعب بالتقنيات الأسلوبية وبناء مناخات التجريب والمغايرة، لم يتركا أثراً لأسئلة مماثلة في ذهن القارئ. علماً بأنّ تفكيك عناصر السرد من أحداث وشخصيات وأفكار واشتغال بزي وعزام عليها باستخدام أدوات ومرجعيات خاصة بعضها ذاتية وبعضها فني، أدخلا المتعة إلى النص وجعلاه قابلاً لاستدخالات عديدة. هكذا تحوّل اهتمام القارئ من معرفة هوية السارد وملاحقة أحداث السرد إلى التمتع بآليات هذا السرد والتفاعل مع ألعابه الذكية.
تقنية رواية «ملك اللوتو» تكسر نمطية النصوص التقليدية التي يتصرف كتّابها كأنبياء، فيمسكون بخيوط السرد ويوجهون الأحداث ويحتكرون مصائر الشخصيات. رواية جهاد بزي وبشير عزام تخلق قارئها أيضاً. ذلك القارئ الذي ملّ التلقين والوعظ والحقائق الثابتة، صار يبحث عن نص يجد فيه مساحةً يتنفس فيها. قد تكون هذه هي الميزة الأساسية لهذه الرواية. الرواة ليسوا فقط باتريك وجوزيف ومن وراءهما، أي جهاد وبشير، بل إنّ كل قارئ هو راوٍ يستطيع أن يقدم رؤيته واقتراحاته في الشخصيات والأحداث والعناوين والأفكار.
هذا ما يقوله جوزيف في إحدى رسائله لباتريك: «مشروعنا: الارتجال. ليس لأنه ممتع فحسب، بل لأن مشروعنا قام على تهشيم القارئ ذي المجهر، والراوي العليم بكل شيء. لا راوي عليم يا صديقي». هذا هو أيضاً مشروع الكاتبين... رواية من دون راوٍ عليم، مفتوحة على الرواة المجهولين.



يوقّع الكاتبان روايتهما «ملك اللوتو» بين السادسة والتاسعة من مساء اليوم في مقهى «سيتي كافيه» (شارع السادات، بيروت). للاستعلام: 01/802286