الرباط | نزل أخيراً إلى الصالات المغربية فيلم «عمر قتلني» من إخراج رشدي زام وبطولة سامي بوعجيلة. الفيلم يستعيد قصة البستاني المغربي عمر الردّاد الذي اتهم بقتل مشغّلته، وهي عجوز فرنسية ثرية تدعى غيلان مارشال في بلدة موجان، وقضى سبع سنوات في السجن قبل أن يصدر الرئيس الفرنسي جاك شيراك عفواً خاصاًَ عنه بطلب من الملك الراحل الحسن الثاني.«لا أريد عفو الرئيس. أريد أن أثبت براءتي» قال عمر الرداد لمحاميه الشهير جاك فرجيس الذي تولّى الدفاع عن المناضلة الجزائريّة جميلة بوحيرد خلال حرب التحرير، ثم تزوّجها، قبل أن يشتهر خلال العقود الأخيرة بدفاعه عن شخصيات إشكاليّة من أقصى اليسار إلى اليمين النازي...
عبارة «عمر قتلني» التي كُتبت في موقع الجريمة، عدها المدعي العام دليلاً قاطعاً على تورّط الرداد في مقتل مشغّلته. وتحولت إلى إحدى أشهر العبارات التي ترددت في فرنسا خلال العقدين الأخيرين. لكن هل حقاً قتل عمر الردّاد مشغلته؟ ينفي البستاني المغربي أن يكون هو القاتل، ويصرّ على إظهار براءته وعلى أنّ «السيدة مارشال كانت بمثابة أمّ له». أما فيلم رشدي زام فحاول الانتصار لطرح البستاني المغربي من دون أن يقولها صراحة ومباشرةً.
من أجل ذلك، يعتمد رشدي زام على كتاب جان ماري روار «عمر الردّاد: اختلاق متَّهم» (1994)، إضافةً إلى سيرة الرداد التي كتبها بعد خروجه من السجن. هكذا يجد المشاهد نفسه أمام قصتين. قصة اعتقال الرداد التي شابتها الكثير من اللحظات العصيبة: إضرابه عن الطعام، ومحاولته الانتحار، واللحظات المشرقة التي كانت تؤكد براءته قبل أن تتحول إلى كوابيس. إضافة إلى قصة مستوحاة من الكاتب الفرنسي (جان ماري روار) الذي آمن ببراءة الرداد، فاستقر في مدينة نيس (مسرح الجريمة) ليجري تحقيقاته الخاصة في القضية... كتاب يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول تفاصيل الجريمة ويقدّم أدلّة على براءة الردّاد.
حقّق الفيلم حتّى الآن إقبالاً جماهيرياً واسعاً. في أقل من أسبوع من عرضه، بيعت 172 ألف تذكرة في 247 صالة سينمائية فرنسية. من ملامح قوته أداء الممثل الفرنسي من أصول تونسية سامي بوعجيلة لدور الرداد. الشبه بين الشخصين كبير جداً، ما قد يربك مشاهد الفيلم. في «عمر قتلني»، يتقن بوعجيلة تقمّص حالة «الهشاشة» التي ارتبطت بصورة الردّاد طوال المحاكمة والصور التي كانت تظهر له: شاب أسمر نحيف، بعيون مرتبكة، وملامح دقيقة، يجهل اللغة الفرنسية تماماً.
لهذا ربما اختار رشدي زام ذو الأصول المغربية، أن يبني فيلمه على اللقطات المقرّبة. ركزت الصورة على تعابير وجه سامي بوعجيلة المتوترة والحزينة، لكن البعيدة عن الغرق في البؤس والشفقة، والتمادي في دور «الضحية». التقى بوعجيلة عمر الرداد مرتين، وعاد إلى العديد من الوثائق السمعية البصرية التي بثتها وسائل الإعلام يومذاك. يوضح أنّه فعل ذلك كي يحصل «على صوت، وحركة، وسلوك». ويضيف بوعجيلة عن دوره: «كان عليّ أن أتقمّص نظرته «العذراء» إزاء آلة قضائية كانت ستسحقه. وكانت هناك هذه الصعوبة في أن تتواصل، في أن تفهم، وتجعل الآخر يفهم». ولعلّ نقطة الضعف الوحيدة التي شابت أداءه أنه يجهل العامية المغربية، ويتحدث في بعض اللقطات بعامية ذات نكهة جزائرية... لكنّها تفاصيل لا يلتقطها المشاهد الفرنسي، أو الغربي عموماً.
صعوبة التواصل كانت إحدى أبرز علامات القضية، وقد اتخذ منها الفيلم إحدى نقاط ارتكازه. البستاني الشاب كان جاهلاً بلغة البلد الذي هاجر إليه ملتحقاً بوالده، ظنّاً منه أنّه وطأ أرض «الخلاص». وإذا بفرنسا تستحيل جحيماً، وكوابيس لا يزال يعيشها حتى الآن. الكاميرا تلعب كثيراً على تلك النظرة، نظرة الرجل الذي لا يفهم ماذا يجري له. وينتهي الفيلم بلقطة لعمر الردّاد الحقيقي. النظرة «الهشة» التي تناقلها الإعلام قبل ٢٠ عاماً، ما زالت هنا: علامة فارقة، سمة الشخصيّة التي ارتبطت بالعنصريّة الفرنسيّة، وظلم الآلة القضائيّة.