لاقتباس قصة فيلمه عن قضية عمر الردّاد، اعتمد رشدي زام وشريكه في كتابة السيناريو أوليفييه غورس، مادة خصبة استلهماها من كتابين: الأول بعنوان «عمر الردّاد: اختلاق متَّهم» (1994) لجان ماري روار، والثاني عبارة عن سيرة ذاتية أصدرها عمر الردّاد بعنوان «لماذا أنا؟» (2002).بذلك، سعى الفيلم إلى رسم بورتريه مزدوج للبستاني المغربي عبر لعبة مرايا سلطت الضوء على الآلية القضائية الجهنمية التي أدت إلى إدانته ظلماً، كما رصد جان ماري روار من خلال تحقيقاته الميدانية. وعكست المعاناة النفسية لشاب أمي (28 سنة عند سجنه) لم يكن يقرأ أو يتحدث لغة البلد الذي حُوكم فيه، واستطاع تعلّم الفرنسية في السجن، ودراسة القانون الجنائي وأصبح قادراً على محاججة الخبراء القضائيين للدفاع عن براءته.

قدّر الفيلم مساعي جان ماري روار في الدفاع عن الردّاد، عبر شخصية خيالية أُطلق عليها اسم بيار ـــــ إيمانويل فوغرونار (تقمّص دوره دونيه بوداليدس)، مبرزاً كيف سببت وقفته الشجاعة في هذه القضية فصله من جريدة «لوفيغارو»، والحكم عليه عند صدور كتابه بغرامة 100 ألف فرنك، بتهمة التطاول على المؤسسة القضائية!
أما السيرة المكتوبة للردّاد، فقد استلهم منها الفيلم مشاهده الأكثر تأثيراً. صوّر كيف تعلّم البستاني القراءة والكتابة في السجن، والصلابة التي أبداها في الدفاع عن براءته عبر إضراب عن الطعام. لكن أيام السجن لم تكن سهلة. أقدم الردّاد على محاولة الانتحار مراراً بابتلاع شفر حلاقة. لكن اللحظة الأقسى له، كانت يوم أُبلغ بالعفو الرئاسي، وعلم أنه سيُطلق سراحه. صنعَ سفينة خشبية صغيرة لإهدائها إلى ابنه الذي كان يبلغ ثمانية أشهر عند دخوله السجن. وإذا بالابن لا يتعرف إلى والده، ويقول عند تسلمه الهدية: «شكراً مسيو»!
حين شاهد الردّاد الفيلم، وسُئل عن رأيه، أجاب: «هذا ليس فيلماً. إنها حياتي. كل شيء ترونه على الشاشة صحيح وواقعي». ورغم إعجابه بالفيلم، لم يكن يتصوّر أنّ سحر السينما سيسهم في فتح أبواب المراجعة القضائية التي ظلّت موصدة بوجهه طوال عشر سنوات. وقد مثّل ذلك مفاجأة، حتى بالنسبة إلى مخرج الفيلم رشدي زام. هذا الأخير صرّح بأنّه يطمح إلى أن يصل عمله إلى أكبر قدر من المشاهدين، للتأثير في الرأي العام الفرنسي. لكنّه لم يحلم بأن يؤدي الفيلم دوراً في التعجيل بإعادة فتح ملف القضية.
بهذا، حقّق رشدي زام، مخرجاً، إنجازاً مماثلاً لذلك الذي أسهم في تحقيقه ممثلاً في «بلديون» لرشيد بوشارب. فقد دفع فيلم بوشارب السلطات الفرنسيّة إلى إعادة النظر في الظلم الذي ألحقته طوال عقود بمحاربيها القدامى من المغرب العربي، وساوت أخيراً مرتباتهم التقاعدية بمرتبات زملائهم الفرنسيين الذين قاتلوا صفاً واحداً ضد الاحتلال النازي.