أغنياته اشتهرت برومنسيتها. وصوته يحمل شيئاً من النبل حتّى في الأغاني التي يمكن إدراجها في خانة البوب، أو التي تتّسم بطابع شعبيّ. كاظم الساهر ليس مجرّد مغنٍّ ذكيّ وشفّاف، بل ملحّن مميّز يعرف كيف «يصطاد» الكلمات ويظلّلها بالموسيقى. تتفاوت ألحانه وأغنياته في جودتها وتماسكها وقدرتها على إدهاش المستمع. وهذا الأمر طبيعي، نظراً إلى تشعّب تجربته، وصعوبة إعادة اختراع الموسيقى العربية (على مستوى الغناء تحديداً) في زمن العولمة. الانعطافات التي أحدثها في الأغنية العراقية والعربية، لم تكن حادّة أو عميقة. مع ذلك، يجد المستمع تأثيرها في الأغنية العربية الحديثة.

سلك الساهر طرقاً موسيقية مختلفة، وانزلق أكثر من مرّة إلى مطبّ التكرار، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، لكن ذلك لم يؤثّر سلباً في تلقّي المستمع لأغانيه. الحفلة التي يقدّمها في باحة قلعة المير بشير ضمن «مهرجانات بيت الدين»، لا تمثّل نقطة تحوّل في مسيرته، إذ لا تحمل جديداً (بالمعنى الواسع للكلمة). صاحب «شجرة الزيتون» سيؤدّي كعادته باقة من أغنياته القديمة والحديثة. وقد توصّل منذ بداياته إلى تلحين وتأدية نموذج غنائي جديد، يجمع بين النفَس الشعبي والإتقان والاختلاف. أغنية «عبرت الشط»، و«هذا اللون»، و«سلّمتك بيد الله»، و«كلّك على بعضك حلو»... وضعته في بؤرة الضوء، فيما كرّسته «إنّي خيّرتُكِ» (شعر نزار قبّاني) أحد أبرز المغنّين العرب على المستوى الجماهيري. تعاونه مع صاحب «أشعار مجنونة»، مثّل له مدخلاً إلى طريق الشهرة والتفوّق، ومنحه فرصة ذهبية لمَوْسَقة قصائد مفعمة بالغواية والحبّ، قفزت فوق الثقافة التقليدية والقوالب الشعرية الجاهزة. مذ اقترن اسمه بنزار قباني، تبدّت بعض ملامح مشروعه الموسيقي الذي تطوّر تدريجاً، واهتدى أخيراً إلى ملامحه شبه النهائية. يخرج كاظم عن المألوف أحياناً، وخصوصاً لدى تنقّله بين المقامات، ويفاجئ المستمع بأصالته وميله إلى التجديد في آن واحد (أغنية «زيديني عشقاً»، مثلاً). المناخ الفريد الذي يتفاعل فيه الجمهور مع الساهر في معظم حفلاته، يعبّر عن حاجته إلى سماع أغنيات «نظيفة» وراقية، وقد عرف الفنّان العراقي الشهير كيف يوطّد علاقته بالجمهور، وينقلها إلى مستوى احترافي.
وبالعودة إلى قصائد قباني التي غنّاها كاظم، تجدر الإشارة إلى أنّ نجاحها كان نتيجة حتمية لتناغم جميل بين الشعر والموسيقى من جهة، والشعر والأداء والصوت من جهة أخرى، وهو ما يتبدّى في «كل عام وأنتِ حبيبتي»، و«قولي أحبّكَ»، و«الحبّ المستحيل»، و«في مدرسة الحبّ»، و«يدكِ»... ننتبه في بعض هذه الأغاني إلى نزعة تجارية، ونكتشف محاولة إعادة بناء الأغنية العربية وفق رؤية مغايرة، تُزاوج بين لغة موسيقية مركّبة ومسنّنة تفيض ديناميةً على مستوى الإيقاع من جهة، وبساطة تدعو المستمع إلى التأمّل من جهة أخرى. كاظم ليس مطرباً بالمعنى الخاص جدّاً للكلمة، لكنّه يجود في تأدية الوصلات المقامية، ويتقن «لعبة» التطريب (أغنية «أكرهها»ـــــ مقام البياتي، مثلاً). في أغنيتَي «حبيبتي والمطر» و«إلّا أنتِ»، ثمّة جنوح نحو التجريب، والدمج بين الموسيقى الشرقية والغربية ذات الطابع الأوركسترالي. يختلط الفرح بالحزن في معظم أغنياته. ليس غريباً على هذا الفنّان ـــــ الذي ورث جرحاً لم يلتئم بعد في الوجدان العراقي والعربي ـــــ أن يتوسّل الغناء لتفريغ شحنة الألم والشجن، ويسرّبها إلى المستمع ممزوجةً بالأمل حيناً وبطابع «كرنفاليّ» أحياناً، ينضح بحبّ الحياة، وينتصر للحقّ والمرأة والإنسان. غنّى الساهر لبغداد، وبيروت، وسوريا، والجزائر، وتونس، والأردن... اختلطت براءة الطفولة ودهشتها بإيقاع لاهث، ولغة فنّية ناضجة، في أغنية «البنيّة»، وفيها قلَب كاظم المعادلة، مثبتاً إمكان الغناء للأطفال بأدوات تعبير جديدة نوعاً ما. في رصيده أكثر من 11 أسطوانة، و14 أغنية وطنية.
إذا تخفّف صاحب «أنا وليلى» من الشعبَوية التجارية، فسيُعدّ حتماً من أفضل المغنّين الشعبيين العرب في هذا العصر. نتصوّره منذ الآن في بيت الدين متجلّياً ومنتشياً لدى تأديته أغنيات بالفصحى واللهجة العراقية. ليته يذكّر العالم من لبنان بمعاناة الجرح الفلسطينية، ويغنّي («يا قدس») من شعر نزار قباني: «يا قدس يا مدينتي/ يا قدس يا حبيبتي/ غداً... غداً سيزهر الليمون/(...)/ ويرجع الأطفال يلعبون».

الليلة وغداً ضمن «مهرجانات بيت الدين الدولية» ـــــ للاستعلام: 01/365186



ماذا عن دعم الثورة المصرية؟

أعلن كاظم الساهر أنه لن يشارك في المهرجان الغنائي الكبير «من أجل مصر» الذي سيقام قريباً من أجل دعم «ثورة 25 يناير». وجاء في جريدة «التحرير» أن الفنان العراقي قال إنه شعر بأن الجهات المنظمة للمهرجان «غير جدية». وقد أكد نجوم عرب آخرون غناءهم في المهرجان والتبرّع بأجورهم لدعم الثورة، ومن بين هؤلاء وديع الصافي، وجورج وسوف، وهشام عباس، وهيثم نبيل، ومحمد فؤاد، وإيهاب توفيق، وشيرين عبد الوهاب، ونجوى كرم، وفارس كرم، ورويدا عطية، وأسماء المنور... ومن المقرر أن يقام المهرجان في «ستاد القاهرة الدولي» ابتداءً من الخميس المقبل ويستمرّ أربعة أيام.