في مجموعته الجديدة «محور مائل» (الغاوون)، وهي الخامسة له، يكتب الشاعر اللبناني شوقي مسلماني قصيدة طويلة تستثمر السرد والحكاية من دون أن تتخلى عن حساسية جملتها الشعرية وتوترها. إنها قصيدة «منفتحة على آفاقٍ عديدة، وكل قارئ يختار أفقه»، كما وصفها وديع سعادة. هناك رؤية ناضجة ومعجم سخي يوفّران سيولة لغوية وخيارات أسلوبية متنوعة. هكذا، نقرأ مقاطع مركّزة ومكتفية بذاتها تقريباً إلى جوار سرديات منجزة على سطور كاملة. في الحالتين، يجد القارئ نفسه أمام مشكلة السياق المتطاول للنص، إضافة إلى تقنية النفي التي تؤخِّر وصول القارئ إلى المعنى، وتقنية الاسترسال التي تُفرط في إيصال المعنى إليه. اللافت أن القصيدة تبدأ بالاثنين معاً: «ولا يعرف كيف يسمع، ولا يعرف كيف يعرف، ولا يعرف كيف يرى، ولا يعرف كيف يسير، ولا يعرف كيف يلبس، وحتى لا يعرف كيف يأكل وكيف يشرب/ ويسمع، ويعرف، ويرى، ويمشي، ويلبس، ويأكل، ويشرب..». قد يفتي البعض بوجود ضرورة أسلوبية تفرض حيرةً ما على نبرة الشاعر، ولكن ذلك لا يمحو البلبلة التي تصيب النص والقارئ معاً. كأننا أمام نص «لديه وجهة نظر إنما ليست له جهة»، بحسب سطر مأخوذ منه.
هكذا، يتكرر الاسترسال في مواضع أخرى: «من الشرق جاء/ من الغرب جاء/ من الجنوب جاء/ من الشمال جاء/ من تحت جاء/ من فوق جاء/ من أسفل تحت جاء/ من أعلى فوق جاء/ من شمال الشمال جاء ...»، بل إن الشاعر لا يجد حرجاً شعرياً في استهلال 70 سطراً بجملة: «يأتي صوتُه مِنْ ...». لعل أمثولة كبرى تنتظرنا في نهاية النص، ولكن الوصول إليها مرصوف باستفاضات مضجرة.
قد يكون إضجار القارئ مطلوباً كمعادل موضوعي لضجر الشاعر، لكننا نستغرب لجوءه إلى أيسر السبل لإحداث هذا التأثير. أحياناً ينقشع سديم الاستطرادات عن سطور واضحة: «قيل إن بعضه أقبل مشرقاً وبعضه آفلاً معتماً/ قيل إن بعضه اختنق صوته، امّحى أثره، وها هو منه حجر/ قيل إن بعضه وحده/ قيل إنه على مسافة ملايين الأميال/ من كوكبنا يصطاد بقصبة من ضوء/ تنهيدةً في النهر اليابس/ قيل إن بعضه عند قمة جبل/ لكي يطلع الفجر مطمئناً يقف شامخاً كتمثال/ قيل إن شجرة تفاح سرقت تفاحته الوحيد». المقطع المضاء ببعض الصور العذبة لا يزال يشكو من بعض الثرثرة غير الحميدة، ولكنه في النهاية واحد من الاستثناءات التي تثبت فكرة أن إنجاز نص طويل لا يعني حشوه كيفما اتفق.