خطوة نوعية قامت بها «مهرجانات زوق مكايل الدولية» هذه السنة، بدعوتها التينور الإسباني المخضرم بلاسيدو دومنغو. ها هو المهرجان الكسرواني يدخل ـــــ وإن بخجل ـــــ في منافسة مع مهرجانات الصيف الثلاثة الأساسية: «بيبلوس»، و«بيت الدين» و«بعلبك». مع العلم أنّ التراكم الكمّي والنوعي، من شأنه أن يضعه في مرتبة «الفئة الأولى».
سبق أن أشرنا في الملحق الخاص بمهرجانات الصيف اللبنانية والعربية إلى أنّ الغناء الأوبرالي يسجل الحضور الأقوى هذا الموسم بفضل برنامجَيْ «بيت الدين» و«زوق مكايل». قبل حوالى أسبوع، أشعل التينور الديناميكي روبرتو ألانيا جمهوراً بالآلاف في قصر المير بشير، حيث قدّم أمسية غنائية، تمحورت حول ألبومه المخصص للغناء الشعبي في جزيرة صقلية. ومساء غد الأحد، سيكون الموعد في «زوق مكايل» أشدّ رهبة مع الأسطورة بلاسيدو دومنغو، أحد كبار الرعيل القديم في الغناء الأوبرالي.
إنها الزيارة الثالثة للتينور الإسباني إلى لبنان، لكنّ الأمسية تضاف إلى آلاف الإطلالات الحية لبلاسيدو دومنغو في مسيرته الحافلة الممتدة على نحو خمسة عقود. إلى جانب غزارة إنتاجه في مجال الأعمال الأوبرالية الكاملة، ومساهماته في الغناء الشعبي، مارس أيضاً مهنة قيادة الأوركسترا في مجال الأوبرا على نحو خاص. يحتل دومنغو المرتبة الأولى تاريخياً في عدد الأدوار الأساسية التي أدّاها في عالم الأوبرا، إذ يزيد رصيده عن مئة شخصية أدّاها غناءً وتمثيلاً، إضافةً إلى صوته الاستثنائي، ونوعيته (تينور) الحاضرة في الأغلبية الساحقة من الأعمال الأوبرالية، تضاف ميزتان أسهمتا في هذه المسيرة الحافلة: أولاً، حضوره القوي وشخصيته الآسرة وقدرته التمثيلية على تجسيد الأدوار. ثانياً، إتقانه معظم اللغات التي استُعمِلت في الأوبرا، من الإيطالية والفرنسية والإسبانية إلى الروسية والألمانية والإنكليزية.
ولد بلاسيدو دومنغو عام1941، ودرس الموسيقى في أكثر من مجال، مركّزاً على الغناء أولاً، وبعده على قيادة الأوركسترا والعزف على البيانو. رصيده ومجده الفنيّان عرفهما خصوصاً في ريبرتوار الإيطالي فيردي، الذي برع في أداء أبرز أعماله الأوبرالية. وبعيداً من العمل الأوبرالي الكامل، أو المقتطفات الكلاسيكية، لم يهمل دومنغو الأعمال الشعبية، شأنه شأن معظم زملائه الكبار، إضافةً أيضاً إلى المقتطفات الغنائية الدينية، كما الأعمال الدينية الكبيرة.
يمارس بلاسيدو دومنغو منذ زمن قيادة الأوركسترا على نحو جدّي، لكن نسبةً إلى قيمته كتينور، لم يتخطَّ يوماً، كما لم يوازِ إلا نادراً، الشخصيات الكبرى في هذا المجال، مع العلم أنه قاد أهم الأوركسترات في العالم. أما تسجيلاته، فبالمئات، وعند أهم الناشرين في العالم، من «دويشتيه غراموفون» الناشر الألماني الذي حيّاه بإصدارات عدّة هذه السنة لمناسبة بلوغه السبعين، إلى «إي. أم. آي» و«سوني» وغيرهما من الكبار في صناعة الموسيقى الكلاسيكية. إلى كل هذا الرصيد، تضاف مساهمته في السينما، عبر مشاركته في أعمال أوبرالية شهيرة صوِّرت على هذا الأساس، أبرزها مع المخرج الإيطالي الكبير فرانكو زيفيريلّي، الذي نقل إلى السينما «لا ترافياتا» و«أوتيلو» من ريبرتوار المؤلف الإيطالي فيردي. أما شهرته على المستوى الإعلامي الأوسع من نطاق المهتمين بالأوبرا، فتعود إلى شراكته (منذ 1990) مع زميليْه التينور الراحل لوتشيانو بافاروتي، ومواطنه التينور خوسيه كاريراس في ما يُعرف بـThe Three Tenors. فما هو الجديد الذي يمكن أن يحمله المايسترو غداً إلى جمهوره اللبناني في «مهرجانات الزوق»؟

8:30 من مساء غد الأحد ـــــ «مهرجانات زوق مكايل الدوليّة». للاستعلام: 09/222222



جيل «أوبراليا»

في عام 1993، أسّس بلاسيدو دومنغو مسابقة عالمية متخصِّصة بالغناء الأوبرالي، تحت اسم «أوبراليا»، وذلك بهدف اكتشاف المواهب الشابة ودعمها. إحدى الفائزات بهذه المسابقة، هي السوبرانو الأرجنتينية فيرجينيا تولا (1976)، التي أصبحت شريكته في الفترة الأخيرة. وستكون فيرجينيا تولا على الخشبة غداً في الـ«زوق»، لتؤدي مع المعلّم دويتو (ثنائيات) من أعمال أوبرالية، إضافةً إلى أغانٍ شعبية معروفة. ونشير إلى أن الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية سترافق الثنائي بقيادة يوجين كون، الموسيقي المخضرم (لكن المغمور) الذي بدأ مسيرته مرافقاً على البيانو أساطير الغناء، أمثال ماريا كالاس.