القاهرة | بفارق 69صوتاً فقط، خسر علي بدرخان انتخابات نقابة السينمائيين لمصلحة مسعد فودة. قبل ذلك بعام ونصف عام، خسر بدرخان الانتخابات أمام المرشح نفسه بفارق 57 صوتاً. وهذه المفارقة لا تعني سوى أمرين: أولاً أننا أمام استقطاب حاد، والثاني أن «ثورة 25 يناير»، التي أدّت إلى تغيير نقيب الممثلين، لم تصل بعد إلى نقابة السينمائيين، أو إلى نصف أعضائها على الأقل. نقابة السينمائيين، أو حسب اسمها الرسمي «نقابة المهن السينمائية»، ليست نقابة لنجوم الشاشة. فهؤلاء النجوم هم أعضاء نقابة الممثلين (المهن التمثيلية)، التي أطاحت قبل أسابيع نقيبها أشرف زكي، الموالي للنظام السابق، وجاءت بالنقيب الجديد أشرف عبد الغفور.
أما «نقابة السينمائيين»، فهي للمخرجين والمصورين، وكتّاب السيناريو، وفنيي الإخراج، وباقي عناصر الفن السابع، أو من يفترض بهم أن يكونوا كذلك، إذ إن أهل السينما لا يحتكرون نقابتهم التي تضمّ العاملين في التلفزيون أيضاً، تماماً كما هي الحال مع نقابة الممثلين، أي الذين يعملون في السينما، والتلفزيون، والمسرح.
وهنا تحديداً تكمن المشكلة التي منعت بدرخان من الفوز بالمقعد. المقعد نفسه الذي شغله والده أحمد بدرخان في الزمن القديم. والمعروف أن بدرخان الأب كان ثاني نقباء «السينمائيين» بعد محمد كريم، الذي شارك في تأسيس النقابة عام 1955. ومن منصب النقيب، تحول أحمد بدرخان إلى رئيس لـ «اتحاد النقابات الفنية».
تضم نقابة السينمائيين أقل من خمسة آلاف عضو، منهم ثلاثة آلاف يعملون في التلفزيون. وينتمي معظم هؤلاء إلى «اتحاد الإذاعة والتلفزيون» الرسمي. وهم الذين تسلّموا منصب النقيب الذي يفترض أن يكون للسينمائيين، لكن آخر السينمائيين الذين حازوا المنصب كان النقيب العتيد ممدوح الليثي، الذي هزم بدرخان (أيضاً!) عام 2005، وإن كان بفارق 200 صوت في تلك المرة.
وبمجرد متابعة المشاكل التي تعصف بـ«ماسبيرو» منذ ثورة يناير، والصراع الذي يعصف بالمبنى القديم بين كتلة التغيير الصغيرة والغالبية التي لطالما روجت للنظام، يمكن فهم تأثيرات ذلك على انتخابات السينمائيين، إذ صوّت أهل «ماسبيرو» لمصلحة النقيب القديم ـــــ الجديد مسعد فودة، وهو المخرج التلفزيوني ورجل النظام السابق، الذي يتشابه كثيراً مع النقيب السابق للممثلين أشرف زكي: كلاهما عمل سكرتيراً لنقابته فترة طويلة، وكلاهما أيّد مبارك حتى اللحظة الأخيرة، وكلاهما لم يقدّم أي أعمال فنية بارزة. وفي حالة فودة، ربما لم تكن له أيّ بصمات إبداعية نهائياً، سواء في أعماله التلفزيونية من نوع فوازير «عملت الواجب»، أو حتى تجاربه السينمائية القليلة ـــــ التي لم ير معظمها النور ـــــ من نوع فيلم «2 في الكليتش» من بطولة بوسي سمير!
لكن الوجود الكبير لأهل ماسبيرو في نقابة السينمائيين لا يفسر فقط فوز فودة، بل أيضاً يؤكد نفسه في القائمة الفائزة في مجلس النقابة التي احتل قمتها التلفزيونيّون أمثال شكري أبو عميرة، وإبراهيم الشقنقيري، وعمرو عابدين، وعمر عبد العزيز، الذي لم يُخرج للسينما منذ سنوات طويلة. بينما احتل ذيلها مدير التصوير السينمائي المخضرم محسن أحمد.
نتائج لا يفسرها سوى الاستقطاب بين الشاشتين الكبيرة والصغيرة، مع أفضلية مطلقة لأهل الصغيرة في جداول الانتخاب، وهي أفضلية حرص النقيب الفائز مجدداً على تدعيمها في السنوات الأخيرة من خلال وجوده في مجلس النقابة، كما أصدر تصريحاً قبل أيام من الانتخابات يرفض فيه قرار بدرخان فصل بعض الأعضاء التلفزيونيين من النقابة. كانت تلك لعبة انتخابية ذكية، لأن بدرخان لم يقل ذلك قط، بل كانت لديه اعتراضات على بعض اللوائح الانتخابية، فطلب تنقية الجداول. نجح تصريح فودة في إثارة ذعر أعضاء التلفزيون فانتخبوه مجدداً.
لكنّ التفسيرات السابقة تبقى جزءاً من الصورة. الجزء الآخر يتمثل في بدرخان نفسه بوصفه «مرشح التغيير». الكتلة الشابة الناشطة التي روجت لانتخابه بذلت جهداً خارقاً، ومارست الاعتصام في النقابة من أجل الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة بعد الثورة، حتى نجحت في مسعاها لإعادة الانتخاب، لكنها خسرت الانتخابات نفسها. ربما لأن بدرخان (1946) لم يبدُ المرشح المناسب لثورة شابة. صاحب «الكرنك» خسر الانتخابات أمام الليثي ثم أمام فودة، وها هو يخسر مجدداً، مما يعني أنه لم يستطع أبداً اختراق الكتلة الأخرى... ربما لأن بناءً جديداً بوجه قديم أمر مستحيل.