الدوحة | في وقت شُغلت فيه الجهات السياسية والأمنية في بريطانيا في كشف مختلف جوانب فضيحة التنصت في صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، بدا الإعداد لإطلاق قناة «سكاي نيوز عربية» مستمراً على نحو طبيعي. أقلّه هذا ما صرّح به مسؤولو المحطة حين سألناهم عن تأثّر هذا المشروع بالأزمة التي أصابت «نيوز كورب» (وهي الشركة التي تصدر «نيوز أو ذي وورلد» وتملك أكبر نسبة من الأسهم في «سكاي نيوز»). إذاً، حتى الساعة يبدو التعاون بين جايمس مردوخ ابن روبرت مردوخ، وشركة «أبو ظبي للاستثمار»، مستمرّاً دون معوّقات.
وفي اتّصال مع «الأخبار»، قال مسؤول العلاقات العامة في القناة سالم العريض: «منذ اندلاع الفضيحة انهالت علينا الاتصالات الهاتفية والرسائل من جانب وسائل الإعلام الغربية لتسألنا عن تداعيات هذه القضية على مستقبل القناة البريطانية الناطقة باللغة العربية». ويضيف: «ليس لدينا ما نقوله حالياً باستثناء بيان مقتضب أصدرته المؤسسة». وجاء في البيان أن «قناة «سكاي نيوز عربية» هي مشروع مشترك بين «شركة أبو ظبي للاستثمار الإعلامي» و«شركة سكاي البريطانية للبث». وقد أكّدت الشركتان «التزامهما إطلاق المحطة في ربيع عام 2012». إذاً فضّلت الشركة إصدار بيان مقتضب للتأكيد على استمرار الشريكين في الإعداد لإطلاق الفضائية، واستبعاد أي تأثير لأزمة «نيوز أوف ذي وورلد» على «سكاي نيوز عربية».
هكذا، فضّلت إدارة المحطة، التي يقودها الإعلامي الأردني نارت بوران، الابتعاد عن أي تصريح مثير، أو ربما التزمت التعليمات التي يبدو أن شركة «نيوز كورب» عمّمتها على مختلف وسائلها الإعلامية، لكن هذا «التحفّظ» لا يلغي أسئلة ملحّة ستفرض نفسها من دون شك خلال الأيام المقبلة. أقلّه تلك المتعلقة بجايمس مردوخ، الذي «يدعم القناة باعتباره رئيس مجلس إدارة غير تنفيذي في «شركة سكاي البريطانية للبث»»، قال بوران في حديث سابق مع «الأخبار» إن مردوخ الابن «لن يتدخّل في السياسة التحريرية للمحطة، بل سيكون لها خط تحرير مستقلّ».
لكن لا شكّ في أن الوضع سيتغيّر قريباً مع تضييق الخناق على روبرت مردوخ وابنه، بعد مثولهما أمام لجنة الإعلام البرلمانية في بريطانيا الثلاثاء الماضي. كما أن «تسونامي التنصّت» قد يصل إلى أبو ظبي، ومعها إلى مشاريع مردوخ في المنطقة العربية. والمعروف أن دولة الإمارات، غالباً ما تتجه إلى إلغاء أيّ مشاريع قد تسبّب لها متاعب سياسية أو «أخلاقية»، وهو ما فعلته في وقت سابق مع قناة «أبو ظبي» بعد تغطية الغزو الأميركي للعراق، ومع هواتف الـ«بلاك بيري»، وطبعاً مع شبكة الإنترنت التي تُحكم السيطرة عليها بيد من حديد.
كذلك فإن تهاوي بعض مشاريع «نيوز كورب» يؤكد أن كل خططها التوسعية قابلة للتساقط في أي وقت: ألم تؤدِّ الفضيحة إلى إقفال «نويز أوف ذي وورلد»؟ ألم يضطر مردوخ إلى التراجع عن صفقة شراء كل أسهم «بي. سكاي. بي.»؟ والمعروف أن جايمس مردوخ هو الذي يشرف على نحو مباشر على هذه الأخيرة. وتعد «بي. سكاي. بي.» أو «برتيتس سكاي برودكاستينغ» أحد أهم المشاريع بالنسبة إلى «نيوز كورب». وقد أسسها روبرت مردوخ تحت اسم «سكاي تي. في.» قبل أن تدخل في شراكة عام 1990مع الـ«بريتيش ساتيلايت برودكاستينغ» ويصبح اسمها «بي. سكاي. بي.». وكان مردوخ الأب قد أوشك على إتمام صفقة الاستحواذ على كل أسهم الشبكة لولا فضيحة التنصّت، وضغط الحكومة البريطانية عليه للتراجع عن هذا المشروع.
هكذا تحرّكت الحكومة البريطانية للحد من مشاريع مردوخ التوسعية على أراضيها، فيما تقف السلطات الإماراتية حتى الساعة متفرّجة على تهاوي بعض أجزاء إمبراطورية الحوت الأوسترالي، كما يبدو أن هذه الفضيحة لا تشغل بال الرأي العام الإماراتي، ولا الإعلام المحلي، الذي لم يعبّر عن أي مخاوف من وصول «نيوز كورب» إلى أراضيه، لكن ينتظر كثيرون أن يتغيّر موقف السلطان في الإمارات، وخصوصاً أن شبح التجسس يلاحق هذه الدولة، ويؤرق مسؤوليها: من فضيحة اغتيال إسرائيل القيادي في «حركة حماس» محمود المبحوح والاختراق الأمني الكبير الذي كشفته هذه الجريمة، وصولاً إلى وقف خدمة هواتف «بلاك بيري» بحجة تشجيع التنصّت والتجسّس! فهل تخيفها فضيحة التنصت التي هزّت السياسة البريطانية والغربية، فتقرّر التراجع عن مشروع التعاون مع مردوخ، أم ستبقى المشاريع الاقتصادية والاستثمارية أهمّ من ارتدادات هذه الأزمة؟ الجواب مبكر، لكن لا شكّ في أنّ السلطات الإماراتية ستواجه قريباً جدلية صعبة إذا استمرّ جبل الجليد «المردوخيّ» في الانهيار.