عمان | الحديث عن السينما الأردنية يثير العديد من التساؤلات، أولها إمكان وجود هذه السينما أصلاً. لا شك في أنّ الفيلم الأردني يأخذ مكاناً متواضعاً على الخريطة السينمائية، وإعادة الانطلاق الخجولة للسينما في المملكة، ما زالت في بدايتها. لكن لا شك في أنّ هناك حراكاً سينمائياً أثمر أخيراً مجموعة من الأفلام القصيرة والطويلة، الروائية والتسجيلية، أعادت السينما الأردنية إلى الواجهة.المحاولات الأولى لإنتاج أفلام روائية طويلة بدأت في منتصف القرن الماضي، وبقيت متقطعة حتى توقفت في أوائل التسعينيات. عام 1957، أخرج واصف الشيخ ياسين أول فيلم روائي أردني بعنوان «صراع في جرش». وبعد خمس سنوات، أخرج عبد الله كعوش «وطني حبيبي»، ثم «الطريق إلى القدس» لعبد الوهاب الهندي (1969)، ثم أنجز جلال طعمة «الأفعى» عام 1971، وصولاً إلى «حكاية شرقية» (1991) الذي أخرجه السوري نجدت أنزور. لكن هذا التقطع في الإنتاج وعدم الاهتمام الحكومي بإيجاد بيئة إنتاجية محلية جادة أوقفا تلك المحاولات المتواضعة. وبقي الوضع كما هو عليه حتى جاءت السينما المستقلة.
أعادت السينما المستقلة إحياء المشهد في الأردن، والفضل يعود إلى المخرج حازم البيطار الذي أسّس عام 2002 «تعاونية عمان للأفلام». في البداية، بدأ المشروع نادياً يعنى بعرض الأفلام ونقاشها، ثم تحول منذ 2003 إلى تعاونية تنظّم ورشات مختلفة، من كتابة السيناريو والتصوير والمنتجة والإخراج حتى إقامة العديد من الورشات المجانية في المناطق المهمشة، كالأغوار والمخيمات.
نجحت هذه التعاونية في إنجاز العديد من الأفلام القصيرة المستقلة بميزانية شبه معدومة، وباستخدام ممثلين هواة، والاستعانة بآلات سينمائية رقمية زهيدة الكلفة. وحتى اليوم، أنجزت التعاونية أكثر من 50 فيلماً قصيراً أعادت الاعتبار إلى السينما المحلية التي حضرت في المهرجانات العالمية، من «كليرمون فيران» و«لوكارنو» وصولاً إلى «أبو ظبي» و«دبي» و«قرطاج». أضف إلى ذلك أنّ التعاونية أسّست عام 2005 أول مهرجان للأفلام القصيرة في الأردن ما زال مستمراً، وينجح سنوياً في استقطاب الأفلام القصيرة العربية والعالمية.
ما يميز أفلام التعاونية القصيرة المستقلة طرحها لقضايا سياسية واجتماعية. «جرعة زائدة» لعمار قطينة (2005)، عبارة عن كوميديا سوداء ساخرة تنتقد التملق للغرب والنفاق في الصحافة العربية، و«شرار» (2006) لعمار قطينة وصالح قاسم وحازم البيطار تناول الظروف السيئة التي يعيشها العمال الآسيويون في المناطق الصناعية الآهلة في الأردن. أما «المشهد» (2008) للبيطار ورفقي عساف الذي نال الجائزة الأولى للأفلام القصيرة في «مهرجان أبو ظبي»، فجاء لقطة واحدة تصوّر بشاعة عنف الجندي الإسرائيلي أثناء انتظار تلقيه أوامر باغتيال مناضل فلسطيني، و«في بطن الحوت» للبيطار (24 د ـــ 2010) قارب حصار غزة وأنفاقها. وأخيراً، أنجز البيطار أول فيلم طويل للتعاونية بعنوان «سمك فوق سطح البحر» (80 د ــــ 2011) الذي يتناول الظلم الذي يتعرض له أهالي منطقة الغور الأردني.
رغم كل هذا الحراك، ما زالت الطريق في أولها. يؤكد ذلك الناقد السينمائي الأردني عدنان مدانات الذي يستبعد فكرة وجود صناعة سينمائية أردنية، بل يرى أن ما يحدث مجرد حراك. إضافة إلى ذلك، فإن جودة الأفلام الطويلة المنتجة ما زالت محل جدل بين النقاد. ما يحتاج إليه الأردن هو ذلك التراكم الذي يمكّنه من إنجاز أفلام ذات جودة عالية، والرهان على نشر الثقافة السينمائية الجادة محلياً، للعاملين وللجمهور على حد سواء.



أوسكار عربي؟

حصل شريط الأردني زيد أبو حمدان «بهية ومحمود» منذ أيام على الجائزة الأولى للأفلام القصيرة خلال «مهرجان تاورمينا السينمائي» في إيطاليا، بعد شهر على فوزه بجائزة أفضل فيلم روائي قصير في مهرجان «بالم سبرينغز السينمائي» في كاليفورنيا. وقد أصبح «بهية ومحمود» مؤهلاً للحصول على ترشيح لجائزة الأوسكار 2012. وقد صوِّر «بهية ومحمود» في لبنان عام 2010، كتبه وأخرجه زيد أبو حمدان، وأنتجته هبة أبو مساعد. وسيعملان معاً في بداية العام المقبل على أول فيلم روائي طويل من إخراجه سيصوَّر كاملاً في الأردن وسيكون من إنتاج أردني ـــ فرنسي أميركي مشترك.