للمؤسسة الأمنية في لبنان، من دون شكّ، مؤهلات ومحاسن نعرفها أو لا نعرفها. لكنّها تشكو على الأقلّ من نقطة ضعف واحدة، مستهجنة في نظام ديموقراطي، تتعلّق بسياسة التعاطي مع حريّة التفكير والإبداع والتعبير. وقضيّة زيد حمدان تمثّل نموذجاً لهذه السياسة «الهاوية» التي تسيء إلى الجميع من دون استثناء، بسبب عادات وتقاليد وذهنيات قديمة، تعود إلى أيام الانتداب الفرنسي ربّما، بل إلى الامبراطوريّة العثمانيّة.
زيد حمدان من أبرز فنّاني جيله، أدى دوراً أساسياً في تطوير الأغنية الشبابيّة والأغنية البديلة، ونشرهما على نطاق واسع. بل إنّه مثّل مع ياسمين حمدان، شريكته السابقة في فرقة Soap Kills (نتمنّى أن يلتقيا قريباً في تجربة جديدة) ظاهرة موسيقيّة حقيقيّة، وحالة ثقافيّة تختزن روح بيروت الخارجة من أحد فصول الحرب الأهليّة الدائمة. جمعت الفرقة بين التقنيات الإلكترونيّة والصوتيّة والتراث الطربي العريق، في أعمال غنيّة إيقاعيّاً، ملوّنة نغميّاً، مبتكرة لغوياً، ابنة عصرها، وفي الآن نفسه مرتبطة بزمان ومكان وذاكرة وهويّة... أغنيات من عيون الـtrip hop سُجِّل معظمها في أسطوانات «باتر» (2001) و«شفتك» (2002) و«إنتَ فين» (2005)، وأفرزت جمهوراً واسعاً في لبنان، ورفعت اسمه عالياً في محافل عربية وعالميّة مرموقة.
لعلّ المحققين الذين استدعوا زيد في الأيام الأخيرة، وأخضعوه لجلسات استنطاق تليق بأخطر المجرمين والإرهابيين والجواسيس، لا يعرفون كل ذلك. وهنا جوهر المشكلة. خبر إيقاف فنّان الـ«اندرغراوند» ساعات طويلة في «نظارة» قصر العدل بناء على مذكرة توقيف، قبل أن يطلق سراحه، أشعل الفايسبوك. تهمته فيديو كليب بعنوان «جنرال سليمان»، عن أغنية ضمّنها أسطوانته الجديدة «عاصفة»، وهي أولى ثمرات تعاونه مع فرقة Zeid And The Wings التي أطلقها الأحد الماضي في بيروت («الأخبار»، 23/ 7/ 2011). الفيديو المذكور موجود على الإنترنت منذ أشهر عدّة، لكن القوى الأمنية تفضّل الوسائل القديمة: لقد اكتشفته أخيراً على dvd في طرد مرسل من مخرجه الإيطالي إلى منتج في لبنان. واتهمت زيد حمدان بالتعرّض لشخص رئيس الجمهوريّة، وها هو الفنان في موقع المتّهم الذي عليه تبرير إبداعه!
زيد بعيد كل البعد عن السياسة بمعناها الضيّق، وعن الانقسامات اللبنانيّة، بل هو ينتمي الى جيل «أخلاقي» لا يعرف القدح والذم والإساءة إلى الأشخاص، مهما علا شأنهم أو وضع. يطالب هؤلاء الشباب بوطن أفضل، وعالم أفضل، ويلجأون إلى لغة الشعر والمجاز. هل نخضع الفيديو لنقاد وباحثين ومحللين سيميائيين، لإقناع المحكمة بأنه بريء من الإسقاطات الإيديولوجيّة التي تنسب إليه، وكلّنا نعرف أن العمليّة الإبداعيّة قائمة على عدد لا يحصى من التأويلات الممكنة؟ في انتظار أن يحسم الجدل النظري، تلقّى الرأي العام بذهول نبأ الاعتداء على حريّة فنّان، بسبب أغنية، في بلد يدّعي الانفتاح والحريّة... وهذا لا يصون الرئاسة الأولى التي لم تتعرّض لأيّ إساءة أساساً، بل يظهر المؤسسة الأمنية والسلطة السياسيّة التي تخضع لها في صورة سلبيّة لا تحسدان عليها. حان الوقت لإعادة النظر في القوانين والممارسات التي تعوق حريّة التعبير في لبنان.

(روابط مختلفة وفيديو كليب «جنرال سليمان» على موقع «الأخبار»).

http://www.facebook.com/pages/Free-Zeid-Hamdan-from-Jail/198043086920262?sk=wall

http://www.facebook.com/pages/Free-Opinion-Free-Speech-Mobilize-NOW-to-Free-Zeid-Hamdan/127909480633369