آخر ثلاثة إنتاجات للمطرب إيمان البحر درويش كانت دينية نوعاً ما. جسد شخصية الإمام الشافعي في مسلسل بالعنوان ذاته، وقدم ألبوم أناشيد دينية بعنوان «أذّن يا بلال» سبقه ألبوم «الجرح الأليم». هذا الأخير لم يكن دينياً تماماً، لكن جميع أغنياته قدمت بلا موسيقى! مع ذلك، انتخب صاحبها الثلاثاء الماضي، نقيباً للموسيقيين المصريين في أول انتخابات بعد «ثورة 25 يناير».حفيد سيد درويش شدا بأدوار وطقاطيق رائد الموسيقى العربية في الألبومات والأفلام التي شارك فيها طوال الثمانينيات، وقدم تجربة مميزة في ألبوم «نفسي» (1985). لكن الألبوم لم يحصل على حقه إلا بعد سنوات. كان درويش الحفيد قد بلغ خلالها مرحلة الاكتئاب. عاد إلى الضوء وأصبحت أغنية «نفسي» من الأغنيات الرائجة. لكن صاحبها ظل غريباً في الوسط الفني، عانى صراعاً داخلياً يشبه ما عاشه أبناء جيله محمد منير، وعلي الحجار، ومحمد الحلو. كابدوا جميعاً عناء تقديم أغنية جادة في مناخ اجتاحه الاستهلاك. كانت آخر محاولات درويش في تقديم الأغنية كما يراها في ألبوم «ولا عمرك وحشتيني» (1993). ثم استرجع عزلته، ولم يعد إلا مع الأغنيات الدينية، أو تلك التي «لا تصطدم بالدين». من هنا تخلى عن استخدام أي فتيات في أغنياته، واتجه إلى الإنشاد الديني والأغنيات الوطنية التاريخية. ترك أدواره السينمائية الرومانسية الخفيفة في الثمانينيات ليقدم عام 2007 مسلسل «الإمام الشافعي». ثم فاز في انتخابات نقيب الموسيقيين أخيراً. وصلت «الثورة» إذاً إلى نقابة الموسيقيين بتغيير نقيبها القوي منير الوسيمي. لكن مقارنة فوز درويش بفوز أشرف عبد الغفور قبل شهر في انتخابات نقابة الممثلين، توضح أنّ الأمر ليس مصادفة.
أشرف عبد الغفور انتزع منصب النقيب من أشرف زكي الذي كان أحد أبرز داعمي النظام السابق. لكن عبد الغفور لا يعبّر عن الثورة بوصفها فعلاً من أجل الحرية، بل هو أقرب لنموذج «الفنان الملتزم» طبقاً لمواصفات الالتزام في زمن التيارات الإسلامية. ترك الفن لسنوات في ذروة ظاهرة الاعتزال وتحريم الفن، ثم عاد بأدوار متعددة انحصرت في المسلسلات التاريخية والدينية. ثم انحسرت تلك المسلسلات في السوق المصرية وبدأت ظاهرة هجرة عكسية نحو الدراما الاجتماعية والكوميدية. عاد ممثلون وممثلات إلى أدوارهم «القديمة» منهم أشرف عبد الغفور. في تلك السنوات، كانت ابنته ريهام عبد الغفور قد أصبحت نجمة صاعدة في سينما الشباب. عاد عبد الغفور إلى نجوميته المحدودة، لكنّه ظل محافظاً وبعيداً عن السينما. وعندما اكتسح انتخابات الممثلين، بدا ذلك قطعاً مع الدولة القديمة ورموزها، تماماً كما تبدو الحال مع فوز إيمان البحر درويش. لكن السؤال هو: إلى أين تتجه الدولة الجديدة؟ وإلى أين يذهب فنها؟