لم تكد الكويت تعلن نيتها إنشاء «ميناء مبارك الكبير» (مشروع واقع في جزيرة بوبيان الكويتية في أقصى شمال غرب الخليج) حتى طلبت منها السلطات العراقية إيقاف بناء هذا المشروع «إلى حين التأكد من أن حقوق العراق في المياه المشتركة لن تتأثر». وترافق الموقف السياسي العراقي مع حملات إعلامية وشعبية رافضة للمشروع «الذي سيقطع الشريان البحريّ الرئيسيّ للعراق»، وكما كان متوقعاً انخرطت صحيفة «الصباح» (شبه الرسمية) في المعركة، فنشرت تقارير ومقالات أضاءت فيها على الجوانب السلبية لهذا المشروع، لكن المفاجأة تفجّرت الأسبوع الماضي مع صدور قرار بإقالة رئيس تحرير الصحيفة عبد الستار البيضاني من جانب مجلس الأمناء في «شبكة الإعلام العراقيّ»، التي تشرف على الإعلام الرسمي في «بلاد الرافدين». أما سبب الإقالة، فهو «نشر مواد صحافية مسيئة إلى العلاقات العراقية ـــــ الكويتية». ولم ينف البيضاني أن تكون كتاباته عن هذا المشروع سبب إقالته، بل أعلن أنه تعرّض لضغوط كبيرة. أما بعض المصادر المطّلعة على الملف، فقالت إن عضو مجلس الأمناء في «شبكة الإعلام»، محمد عبد الجبار الشبوط، هو من يقف خلف إبعاد البيضاني. والمعروف أن علاقات قوية تربط الشبوط بالسلطات في الكويت حيث يقيم، كما ترددت أخبار عن نية المجلس إقالة سكرتير التحرير الثقافيّ لـ«الصباح» الشاعر والصحافيّ أحمد عبد الحسين، ونقل الصحافيّين علي السومري، وشمخي جبر، وأحمد حسين الى مؤسسات أخرى تابعة للشبكة. وحالما انتشر خبر إقالة البيضاني، توالت ردود الفعل المنتقدة لهذه الخطوة، وأبرزها ما كتبه الروائي وارد بدر السالم في جريدة «الصباح الجديد» بعنوان «من يريد أن يشتري جريدة الصباح؟»، مضيئاً على الغموض الذي رافق عملية الإقالة، كما كتب الصحافي عدنان حسين في «المدى»، مقالة حملت عنوان «سرّ البيضاني.. وإن طال الزمن!»، وصف فيها رئيس مجلس الأمناء حسن السلمان بـ«الفاشل». أما العاملون في «الصباح»، فعبروا عن تضامنهم مع زميلهم، واستعدادهم للتظاهر في بيان بعنوان ««الصباح» لن تكون لآل الصبّاح (العائلة المالكة في الكويت)».لكن قراراً أصدره رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي أعاد خلط الأوراق، إذ طلب أول من أمس إلغاء قرار مجلس الأمناء، وتثبيت البيضاني في منصبه. وهنا أيضاً عبّر العاملون في الوسط الإعلامي عن تقديرهم لخطوة المالكي. هكذا يقول الصحافيّ، عبد الزهرة زكي، إن المالكي «عمل على معالجة خطأ قاتل ارتكبه الأمناء... لكنّ تدخله على نحو مباشر فضح عدم استقلاليّة قرار المجلس». وأعلن أن الأزمة الأخيرة أكّدت «أهمية تحرير الإعلام من مزاج الأفراد، وتعزيز استقلالية العمل الإعلاميّ...».
أما الصحافي أحمد عبد الحسين، فوجد أن تضامن الوسط الإعلاميّ مع البيضاني «لم يكن بالمستوى المطلوب، بما أن معظم الصحافيين كانوا غير مؤمنين بجدوى المواجهة مع مجلس الأمناء».