في كتابه «الانقلاب الشعبي في الوطن العربي» (دار الفارابي)، يستعرض سمير التنير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعديد من البلدان العربية، وخصوصاً تلك التي اندلعت فيها ثورات شعبية أطاحت نظم الحكم الاستبدادية وبدأت تشهد مخاضات صوب ديموقراطية حرة. من خلال مقالات نشرها في منابر مختلفة، يسلّط الكاتب والباحث اللبناني الضوء على العلاقات السياسية والبراغماتية المعقدّة التي تربط هذه الدول بالولايات المتحدة وأوروبا وتركيا، معتمداً على دراسات وإحصائيات منهجية لفهم التركيبة التي تحكم السياسات الغربية حيال العرب، وتأثير العوامل الداخلية على هذه السياسات. وقد أفرد التنير القسم الثاني من الكتاب للكشف عن سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، وما يخلّفانه من انهيارات مالية ومجاعات عالمية وسوء توزيع للثروة على مستوى العالم. لكن صاحب «أوروبا والسلام المستحيل» لا يقدم الجديد في عرضه لأوضاع هذه الدول. لا نلحظ في المقالات العشر التي خصصها لمناقشة أحوال مصر قبل الثورة، تحليلات مغايرة تستخدم أدوات معرفية جديدة وتبيّن الأسباب العميقة للثورة المصرية واندلاعها في هذا التوقيت تحديداً، إذ تمتلئ المقالات بالمعطيات والأرقام والإحصائيات الجاهزة التي تظهر تراجع الدور الإقليمي لمصر حسني مبارك، وارتباطها باشتراطات المساعدات الأميركية، إضافة إلى التعايش القسري مع اتفاقية كامب دايفيد، وصولاً إلى اتفاقية توريد الغاز إلى إسرائيل والمقاومة الشعبية المطالبة بإلغائها.ويبدو أن اعتماد الكاتب على سياق السياسة المصرية الخارجية كمدخل رئيسي لفهم أسباب الثورة قد جعله يخفّف من اهتمامه بالأسباب الداخلية للثورة المصرية، والخاصة بمخاضات المجتمع المصري، رغم البحث في أسباب الطائفية، وتاريخ الصراعات القبطية الإسلامية التي غذاها السادات، وسيطرة رجال الأعمال وتحالفهم مع السلطة. بقيت موضوعات كالطبقة الوسطى وشباب الإنترنت والمثقفين مهملة بعدما كانت الرافعة الاجتماعية والسياسية لـ «ثورة 25 يناير».
أما في ما يتعلّق بالدول العربية الأخرى، فقد اختار التنير تقديم لمحات قصيرة عن السياقات السياسية والاقتصادية فيها، متنبئاً بحصول ثورات ستغيّر النظم الدكتاتورية الحاكمة في هذه الدول، وتطيح نسقها الاستبدادي. والمفارقة هنا أنّ الكاتب لم يناقش أوضاع سوريا وليبيا حيث الانتفاضة أخذت أشكالها التأسيسية، بل فضّل مناقشة أوضاع المغرب والأردن والجزائر، التي لم تشهد بعد سوى إرهاصات احتجاجية يجري قمعها من وقت إلى آخر.
يستفيد الباحث من دراسته السابقة عن الولايات المتحدة الأميركية «أميركا من الداخل» ليضيء على الأزمات الاقتصادية التي تعانيها هذه البلاد وانعكاساتها على الطبقة الوسطى فيها، إذ لا يستطيع 11 مليون من مالكي العقارت تسديد ديونهم، فيما سعر الشقة التي كانت تساوي 120 ألف دولار، أصبح سعرها الآن 80 ألف دولار، وبلغت نسبة البطالة في ولاية فلوريدا وحدها 12%. هذا إضافة إلى تزايد ديون أميركا يومياً بما يعادل 2،3 مليار دولار، وفقدان 7300 شخص أعمالهم يومياً.
ويختم الكاتب بحثه المتعلق بالداخل الأميركي، بسؤال عن خطورة وصول أحد مرشحي حزب «الشاي» المعارض إلى الرئاسة في الانتخابات القادمة. وهو الحزب الذي يؤمن مناصريه بضرورة إبعاد النخبة السياسية الحالية عن الحكم وإنهاء المؤسسات الحكومية، كما يشددون على إلغاء البنك الفدرالي ودائرة الضرائب، وانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة. إنّها حركة تبيّن ـــــ كما يقول التنير ـــــ كم أصبح عالمنا معقداً في القرن الحادي والعشرين. قبل أن ينتقل الباحث في الجزء الثاني من كتابه ليناقش بعض جزئيات الاقتصاد العربي والعالمي، والنفط وحروب العملات، والهجرة والمجاعات التي تجتاح العالم، منتقداً سياسات صندوق النقد الدولي وما يتركه من آثار تدميرية على الشعوب الفقيرة، يستعرض في مقالات متفرقة التحولات السياسية الداخلية لبعض الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، من خلال وقائع وأحداث متصلة، معرّجاً على طموحات الدور التركي في المنطقة، وأسباب الاهتمام المفاجئ بمشكلاتها وأزماتها.
تحكم كتاب سمير التنير رؤية إيديولوجية مسبقة، تعتمد الخلاصات والنتائج الجاهزة التي حاول الباحث في جميع فصول الكتاب، إثباتها وتأكيد صوابيتها، بواسطة الإحصائيات والأرقام والتفاصيل التي جمعها عن كل بلد، لكن كل هذا من دون أن يستخدم أي أدوات تحليلية محايدة يشغلها البحث عن المعرفة أكثر مما يشغلها عرض هذه المعرفة من وجهة نظر واحدة، وخصوصاً أنّ العنوان الرئيس للكتاب هو الثورات العربية. لذا، كان لا بد من تطوير أدوات جديدة لفهم العوامل والأسباب التي ولّدت هذه الثورات لا الاعتماد على معطيات سابقة.
حتى في تناوله لموضوع الإعلام العربي، ناقش الباحث سلبيات الإعلام الرسمي التابع للأنظمة، من دون أن يلتفت ولو بالإشارة إلى الإعلام الشبابي الجديد، كالفايسبوك وتويتر ويوتيوب، الذي كان له دور أساسي في الثورات العربية.