دمشق | للمرة الأولى منذ سنوات، تبدو الحالة السياسية في سوريا طاغية على المشهد الرمضاني. تحوّلت نشرة الأخبار إلى البرنامج الأكثر متابعةً عوض المسلسلات وبرامج الألعاب. لكن رغم تراجع نسبة المتابعين للدراما السورية، لا تزال شريحة واسعة من السوريين تعتبر الدراما جزءاً لا يتجزأ من هذا الشهر. ولعل القاسم المشترك بين أغلب الأعمال هذه السنة هو السرعة التي أنجزت فيها (راجع الكادر).
البداية من الأعمال الكوميدية التي بدت متشابهة لجهة التطويل والتكرار. أقله هذا ما يمكن استنتاجه من الحلقات الأولى لأغلب هذه المسلسلات. مثلاً «يوميات مدير عام 2» الذي يؤدي بطولته أيمن زيدان، يبدو شبيهاً بالجزء الأول. ولم يتغيّر في السيناريو سوى اسم المديرية التي يرأسها النجم السوري، وشخصيات الموظفين، فيما تبدو الأحداث مكشوفة للمشاهد، ويستطيع توقعها منذ اللحظة الأولى. هكذا نتابع المدير وهو يتنكّر، ثم يأتي صديقه المخرج التلفزيوني ليقدم له المساعدة، وصولاً إلى الفساد الذي يكتسح المديرية.
أما في مسلسل «بقعة ضوء»، فيبدو ضعف النصوص المكتوبة في اللوحات واضحاً، إلى جانب إعادة تكرار الممثلين لكركتيرات جسّدوها عشرات المرات سابقاً. وهو ما جعل البعض يقول ــــ رغم اللمسة الإخراجية المتقنة ــــ إن هذا الجزء ما هو إلا نسخة رديئة عن الأجزاء السبعة السابقة.
ومع ذلك، يبقى هذا العمل أحسن حالاً من مسلسل «فوق السقف»، إذ وعدت «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» بأن يكون السقف الرقابي في العمل مرتفعاً، على أن يلامس الأوضاع الراهنة في سوريا بطريقة ساخرة. لكن الحقيقة أن الصورة المبدئية لـ«فوق السقف» توحي بأنه استنساخ باهت جداً لما يحدث على الأرض، من دون أن يرتقي إلى حرارة الواقع، أضف إلى ذلك غياب الحبكة عن نصوص اللوحات التي أنجزت باستعجال شديد.
كذلك، فإنّ ياسر العظمة العائد إلى «مرايا» بعد غياب أربع سنوات، لم يقدّم أي جديد. بل أعاد تكرار أدوار أدّاها سابقاً ضمن قصص أتخم بها الجمهور. وإن كان مسلسل «الخربة» الأفضل مقارنة بالأعمال الكوميدية، بسبب براعة الممثلين (دريد لحام، ورشيد عساف، وباسم ياخور، وآخرون) والبيئة الجديدة على المشاهد، إلا أن العمل هو إعادة تقديم شكل قُدّم سابقاً في «ضيعة ضايعة». هكذا لا نلمح أي جديد يذكر على المستوى الإخراجي، مع عجز النص عن جذب المشاهد كما ينبغي في حلقات المسلسل الأولى.
حالة الكوميديا تنسحب على أعمال البيئة الشامية التي لا تزال تدور حول قصص البطل الشعبي. وهو ما يحصل مع «الزعيم»، و«الدبور 2»، و«رجال العز»، فيما تبدو محاولة «طالع الفضة» جادة لتوثيق تاريخ دمشق في منطقة محددة كانت تضم أدياناً مختلفة، من دون أن ينتمي المسلسل بأي نحو من الأنحاء إلى أعمال البيئة الشامية التي شهدناها سابقاً.
من جهة أخرى، بقي المسلسل التاريخي الوحيد «دليلة والزيبق» بعيداً عن اهتمامات المشاهد، وخصوصاً في ظل الثورات الشعبية التي تبعده فعلياً عن الاهتمام بالقصص التراثية أو السير الشعبية. وهي حالة تنطبق على «توق» كعمل بدوي. أما مسلسل «في حضرة الغياب»، فقد قابله جدلٌ كبير منذ الحلقة الأولى بشأن قدرة فراس إبراهيم على تجسيد حياة الشاعر الفلسطيني الراحل.
وسط ذلك، بالغ مسلسل «الولادة من الخاصرة» لسامر رضوان ورشا شربتجي في تقديم جرعات مفرطة من الألم، يوازيها أداء مبالغ فيه لنجوم العمل الذين راحوا يفرطون في تقديم حالات العذاب والنحيب.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأعمال الدرامية الاجتماعية حققت حضوراً واسعاً، واستطاعت جذب المشاهد من خلال نصوص محكمة أنجزها مخرجون متمكنون. هكذا، أعاد حاتم علي في «الغفران» صورته المتقنة في نص رومانسي يغوص في عوالم الإنسان، كتبه حسن سامي يوسف، فيما خلقت أحداث «السراب» تشويقاً كبيراً لدى المشاهد للمفارقات التي يطرحها النص بين طبقات المجتمع السوري.
لكن أكثر الأعمال التي تبدو عليها ملامح الإبداع لهذا الموسم هو مسلسل «جلسات نسائية» لأمل حنا والمثنى صبح. المخرج الشاب يقترح من خلال عمله شكلاً جديداً للصورة برؤية بصرية مبهرة وحركة كاميرا تتماشى مع إيقاع الحدث. كذلك لجأ إلى كل مقومات الجمال التي تحتويها الدراما التركية، وطوّعها في عمل سوري خالص يطرح قصصاً واقعية، إضافة إلى لمسته الواضحة على الممثلين الذين يظهر بعضهم على نحو مقبول للمرة الأولى، من خلال هذا المسلسل.
إذاً متابعة الدراما السورية تشير إلى أن القصص الاجتماعية المعاصرة التي تلامس الواقع بعيداً عن الابتذال والمبالغة هي المرشحة لنيل جائزة المشاهدة التي يمنحها الجمهور كل عام، ولكن من يعلم، قد تتغيّر الصورة في الأيام المقبلة.




سباق مع الزمن

لا شكّ في أن أغلب الأعمال السورية أنجزت على عجل، ما جعل المخرجين لا يركّزون على التفاصيل. مثلاً في مسلسل «السراب» نشاهد شخصية شاب فقير متخرّج في المعهد الفندقي يجسّدها أحمد الأحمد. لكن مظهر هذا الأخير لا يوحي بأنه يعمل في قطاع الطعام والطهو، بل يظهر بلحية طويلة، فيما يظهر ارتباك واضح في تقدير الزمن في مشاهد متتالية من مسلسل «سوق الورق». ويظهر واضحاً أن أحد مشاهد «طالع الفضة» (بطولة عباس النوري) قد «مُنتٍج» بطريقة خاطئة. ومعروف أن مخرج العمل سيف الدين سبيعي سابق الزمن كي يلحق بموسم العرض الرمضاني.