صعود فؤاد غازي (1955 ـــ 2011) وأفوله يشبهان صورة المرحلة التي عبّر عنها بامتياز. المغنّي السوري الريفي المعروف باسم فؤاد فقرو الذي رحل منذ أيام، أتى من حفلات الأعراس أولاً. مزيج من الغناء الجبلي والعتابا والمواويل، في تسجيلات بدائية، وجدت مناخها الحيوي في أكشاك بيع الكاسيت، عند أطراف كراجات الأرياف. ثم تسللت إلى الميكروباصات، قبل أن يحط المغنّي الشاب رحاله في ملاهي العاصمة صوتاً قوياً، وآسراً، يتواءم مع مزاج رواد الملاهي الليلية آنذاك.طبقة من الأثرياء الجدد والعسكر الذين فرضوا حضورهم طبقةً حاكمة، بدءاً من منتصف سبعينيات القرن المنصرم، فكان هذا النوع من الغناء هو التعبير الأمثل عن تطلعاتهم. حداثة مستعارة في نمط العيش، ومزاج ريفي يُشبع سطوة الحنين إلى التشكلات الأولى التي انحدروا منها، فكان على المغنّي أن يفتش عن اسم آخر، أكثر عصرية، يدخله النادي من أوسع أبوابه، فاختار اسم «فؤاد غازي». وبذلك طوى الصفحة القديمة بكل مكابداتها، فغادر ملاهي الضواحي في الشوارع الخلفية، وبات النمرة الأقوى في برنامج «ملهى القصر»، أفخر نوادي العاصمة في تلك الحقبة.
هناك اختلط بعلية القوم، وتعرّف إلى من يدخله استديوهات إذاعة دمشق عبر تلفون ساخن. كانت أغنيته المشهورة «صف الفشك ضيعته» جواز مروره إلى أثير إذاعة دمشق. الأغنية التي أتت من صخب تسجيلات حفلات الأعراس، خضعت هي الأخرى لعمليات تقنية صارمة، تواكب متطلبات العتبة الجديدة، لكن الأغنية التي أطلقت شهرته، على نطاقٍ واسع، هي «لزرعلك بستان ورود» التي كتب كلماتها ضابط في سرايا الدفاع، ولحنها عبد الفتاح سكر، الملحن الذي أطلق أبرز الأصوات الغنائية في سوريا مثل فهد بلان ودياب مشهور. هكذا غزا فؤاد غازي ساحة الطرب الشعبي طوال حقبة الثمانينيات العاصفة، لينخرط في حياة ليلية صاخبة، استيقظ منها على عقاب قاسٍ، بالنسبة إلى مطرب: سرطان في الحنجرة. من هذه الزاوية تحديداً، التقط المخرج أسامة محمد بورتريه خاصاً وعنيفاً عن فؤاد غازي، في شريطه الاستثنائي «نجوم النهار» (1988) ليختزل صورة البلاد. انكفأ صاحب «تعب المشوار» وغاب عن الساحة، في الفترة نفسها التي انسحبت فيها الطبقة التي أتت به، لكن أغانيه بقيت أفضل تعبير عن الأغنية السورية، في أوج أزدهارها، قبل أن تحتضر تماماً مع غياب أبرز أصواتها.