انطلق قبل أيّام مهرجان «لوكارنو السينمائي» الذي يستمر حتى 13 آب (أغسطس) الحالي في المدينة السويسريّة الواقعة جنوبي الألب على بحيرة Maggiore. ويُفرد المهرجان، في دورته الـ 64، مكانة مميزة للقضايا العربية من خلال أفلام عربية، أو أخرى أوروبية، ذات مضامين مرتبطة بالعرب وقضاياهم. تحتضن التشكيلة الرسمية في «المسابقة الدولية» (ثانية أهم تظاهرات المهرجان)، ثلاثة أفلام لمخرجين عرب هم دانيال عربيد (بيروت أوتيل)، وتوفيق أبو وائل (تناثر)، ورابح عامر زعيمش (أغاني ماندران). بينما يُعرض ضمن التظاهرة الرئيسية Piazza Grande فيلم كندي لفيليب فالاردو بعنوان «بشير لزهر» (بطولة النجم الكوميدي الجزائري فلاق). أما تظاهرة Fuori Concorso (خارج المسابقة) التي تُخصّص للأفلام التوثيقية ولـ«السينما المغايرة»، فتتضمن فيلماً إيطالياً لستيفانو سافونا بعنوان «تحرير» يصوّر وقائع الثورة المصرية.بعد «رجل ضائع»، تستعيد دانيال عربيد (1970) في «بيروت أوتيل» تيمتها الأثيرة المتعلقة بسبر أغوار علاقات إشكالية وعابرة، بين شخصيات من ثقافات متباعدة تتقاطع مصائرها، في رحلات تيه مطوّلة وغامضة. تصوّر المخرجة اللبنانية هنا قصة حب إشكالية بين زها وماثيو. الأولى مغنية محلّية تسعى إلى التحرّر من قبضة زوج متسلّط، والثاني محامي أعمال فرنسي (أو مراسل في طريقه لإنجاز تحقيق صحافي في سوريا؟)، سرعان ما تلاحقه الشبهات بعد أن يحلّ في بيروت، فيتعرض للمطاردة بتهمة التجسس.
يتعارف ماثيو وزها في إحدى حانات بيروت. تنشأ بينهما علاقة حب، يرصد الفيلم تفاصيلها الحميمة على مدى عشرة أيام وعشر ليال، يتقلبان خلالها بين الفنادق والبارات في رحلة تيه، يحاول خلالها كل واحد الإفلات من هواجسه النفسية.
أما العمل العربي الثاني، فمن المتوقّع ألا يمرّ مروراً عابراً. «تناثر» يحمل توقيع السينمائي الفلسطيني المثير للجدل توفيق أبو وائل (1976). كان المذكور قد أثار زوابع من الانتقادات بفيلمه الأول «عطش» حين عُرض في «كان» قبل سبعة أعوام، ورأى فيه كثيرون مهادنة صادمة للاحتلال الإسرائيلي (راجع الكادر أدناه).
من جهته، يشارك الجزائري رابح عامر زعيمش (1966) بفيلم جديد يراهن فيه على المغايرة. بعد الأعمال ذات النفس الاجتماعي التي طبعت بداياته، من «واش، واش؟» إلى «المعقل الأخير»، مروراً بـ«بلاد رقم 1»، يطرق المخرج الجزائري المقيم في فرنسا، لأول مرة، باب السينما التاريخية. «أغاني ماندران» يستعيد جانباً من سيرة لويس ماندران، أحد أشهر قطاع الطرق في فرنسا خلال العهد الملكي وقبيل اندلاع الثورة.
رغم أنّ زعيمش شرع في الإعداد لهذا الفيلم في أواخر 2009، إلا أنّ تطوّرات الأحداث شاءت لعمله أن يجد طريقه إلى الصالات في خضم الثورات العربية، ما أكسبه رمزية معاصرة. الأبعاد السياسية التي اكتسبتها أعمال «الخارجين عن القانون» عشية قيام الثورة الفرنسية، بعدما تحوّلوا من «قطاع طرق» إلى متمردين ضد الظلم، أسهموا في التأسيس للفعل الثوري، تربطها نقاط شبه ملتفة بالشرارات الأولى التي أشعلت ربيع الثورات العربية، مثل بادرة محمد البوعزيزي الاحتجاجية.
وتحضر الثورات العربية في «لوكارنو» أيضاً، من خلال الفيلم التوثيقي «تحرير» للإيطالي ستيفانو سافونا.
في مطلع شباط (فبراير) الماضي، تأبط الفنان اليساري كاميراه الرقمية، ويمّم شطر ميدان التحرير. أراد أن يصوّر الثورة المصرية من داخل، عبر بورتريهات متداخلة لثلاثة من شبان الثورة: نهى وأحمد وسيّد. في هذا العمل المينمالي، ركّز المخرج الإيطالي عدسته على أبطاله الثلاثة، لتصوير تطوّرات أحداث الثورة من خلال رصد آمالهم وآلامهم، على مدى الأسبوعين الأخيرين قبل سقوط الديكتاتور.
من السينما التوثيقية إلى الروائية، تسجّل القضايا العربية حضورها من خلال فيلم «بشير لزهر» للكندي فيليب فالاردو. يروي العمل قصة مهاجر جزائري في مونتريال، يكتشف وهو يقرأ الصحف، أن مدرِّسة في حي قريب أقدمت على الانتحار في الفصل، ويقرّر أن يتقدم بطلب للتدريس مكانها. وسرعان ما يرتبط بشير بتلميذين يعانيان تمزقاً نفسياً حاداً. ويكتشف أنهما يعانيان تأنيب الضمير لأنهما أديا ـــــ من دون قصد ـــــ دوراً في انتحار المدرِّسة. ويكتشف التلميذان أن بشير يعاني، هو الآخر، من تأنيب الضمير بسبب ما عايشه خلال الحرب الأهلية الجزائرية...
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الدورة من «لوكارنو» لن تمرّ من دون توجيه تحية تضامن إلى السينمائي الإيراني جعفر بناهي الذي سبق أن استضاف المهرجان السويسري الشهير العديد من أفلامه.
www.pardolive.ch



تكريم هاريسون فورد

منح «مهرجان لوكارنو» مساء السبت الممثل هاريسون فورد (1942) جائزة عن مجمل أعماله. مدير المهرجان أوليفييه بير (1971) كتب على مدونته تعليقاً على الحدث: «لا يصادف المرء كل ليلة فرصة مصافحة بطل طفولته». وكان الصحافي والناقد الفرنسي قد عدّد في وقت سابق على مدوّنته أسماء الأفلام التي حفرت في ذاكرته وجعلته يحبّ السينما، وخصوصاً الإنتاجات الأميركية التي تنتمي إلى الأكشن والخيال العلمي مثل «حرب النجوم»، و«بلاد رانر» اللذين شارك فورد في بطولتهما. وخلال مؤتمر صحافي السبت، أعرب فورد عن ندمه؛ لأنّه لم يشارك في عدد كبير من أفلام الويسترن، مشيراً إلى أنّ «آخر مرة شارك في أفلام مماثلة كانت منذ 35 عاماً». علماً بأنّ فورد يشارك اليوم في فيلم «رعاة بقر وكائنات فضائية» الذي نزل أخيراً إلى الصالات الأميركية، وهو شريط أكشن يجمع الخيال العلمي وعوالم الويسترن.