يأخذنا «مسرح بابل» في الموسم الرمضاني، إلى فضاء مختلف، كانت تفتقده المدينة. فضاء شعبي معاصر، يمنح الجمهور خيارات إضافية تقطع مع السائد، من دون التعالي عليه. ولعلّ أكثر ما يلفت في برنامج «بابل» الذي يمثّل مساحة إبداعيّة حرّة وخصبة، هو احتضانه الفرق الشبابية («كتيبة 5»، و«الراز»، و«فرقة التراث العربي»...)، وإسهامه في بلورة الهوية الثقافية، وانفتاحه على الأفكار الجديدة والجريئة. يحرص القيّمون على «بابل» على تقديم حفلات تجمع بين التراث والطرب الأصيل، والموسيقى الآلاتية العربية، وأنماط موسيقية وغنائية أخرى (نخبوية، وشبابية...).
عند التاسعة والنصف من مساء اليوم، ينطلق الموسم الرمضاني في الصالة التي يديرها المسرحي العراقي جواد الأسدي، مع أمسية «مقامات شرقية» تقدّمها «فرقة صوت» بقيادة نبال ظريفة (سوريا)، كما يدلّ عنوانها، ستكون الحفلة شرقية بامتياز. الفرقة التي تأسّست في نهاية 2009، تضمّ القانون (ديمة موازيني)، والتشيلّو (صلاح نامق)، والإيقاعات الشرقية (فراس حسن). مغنّية الفرقة ليندا بيطار، تملك صوتاً هادئاً ورقيقاً ومطواعاً، وتتميّز بأداء مؤسلب، إضافةً إلى «الأدوار» والموشّحات، قد تستعيد الفرقة أغنيات لأم كلثوم وفيروز.
بعد «كتيبة 5» غداً (راجع الإطار)، سيكون الموعد مساء 17 آب (أغسطس) الحالي، مع «أمسية موسيقية غنائية» يقدّمها اللبناني زياد الأحمدية. عرفناه عازفاً على العود، ومؤدّياً لبعض الأغاني، وملحّناً يجمع أسلوباً بين الحسّ العصري والتقليدي، لكنّه لم يتوصّل بعد إلى ابتكار أسلوبه الخاص. مع ذلك، ستكون حفلته مثيرة للاهتمام كالعادة. وتليه في «بابل» «فرقة التوشيح الحديث»، ريبال الخضري (سوريا) التي تقدّم أمسية بعنوان «موشّحات» (18/ 8). إلى الخضري (مغنّي الفرقة)، تضمّ الفرقة حازم جبّور (بيانو)، وعلي معروف (كلارينيت)، وفجر العبد الله (كونترباص)، وفراس حسن (إيقاعات)... برهافة وحيوية وأمانة، تعيد الفرقة إحياء الأعمال التراثية والقوالب الآلاتية والغنائية الكلاسيكية العربية على طريقتها (بتوزيع جديد)، وخصوصاً الموشّحات والقدود والأدوار.
حاز ريبال الخضري الجائزة الأولى في «ملتقى الأصوات الجميلة» (2010) الذي نظّمه «المجمع العربي للموسيقى» في «جامعة الروح القدس ــــ الكسليك». لدانة حنجرته مكّنته من تأدية أصعب الأعمال الغنائية، بشيء من الأسلبة والخفّة، ما يميّزه عن عدد المطربين السوريين الشباب. محاولات الدمج بين الشرق والغرب ـــ التي أفلتت من التعليب التجاري ــ تحتلّ مساحة من البرنامج. يُتوقّع أن تكون حفلة «فرقة الراز»/ عزيز مرقة (19/ 8) مثيرة للاهتمام. مشروع الفنّان الأردني الشاب، الذي ابتدع مصطلح «راز»، يرتكز على المزاوجة بين الجاز والروك والموسيقى العربية. يرفض مرقة الغناء بغير اللهجة العمّانية، ويمكن إدراج تجربته في خانة الموسيقى البديلة.
«فرقة التراث العربي» بقيادة هيّاف ياسين، تقدّم «أمسية عشق من التقليد الموسيقي المشرقي العربي الفنّي» (20/ 8). إلى هيّاف ياسين (سنطور)، تضمّ الفرقة أحمد الربيع (عود)، وفرح قدّور (بزق)، وجورج الشيخ (ناي)، وناجي العريضي (رقّ). «مصطلح «العشق» الذي يأخذ بعداً صوفياً، يأتي للدلالة على العلاقة بين عناصر «الحالة الموسيقية التقليدية التأويلية» من جهة، والموسيقى وأدواتها من جهة أخرى»، بحسب ياسين. الرقص الصوفي (طارق العلي)، يمنح الأمسية روحها، إضافةً إلى وصلة في مقام البياتي ــــ تتضمّن «سماعي ثقيل» لإبراهيم المصري، وتقاسيم مرسلة، و«تحميلة» مبنية على لحن موشّح «جلّ من» ــــ ستؤدّي الفرقة وصلة في مقام السيكاه («إكي بلبل» لعبده الحامولي، و«تحميلة» مبنية على لحن موشّح «جادك الغيث»...)، ووصلة في مقام الحجاز.
كذلك سيقدّم هيّاف وفرقته حفلة مشتركة مع نسرين حميدان (26/ 8) تأخذ اتّجاهاً طربياً. على برنامج الحفلة موشّح «أيّها الساقي»، و«يا نحيف القوام»، و«يا وحيد الغيد»، و«يا غصن نقا»، وأهزوجة «الورد جميل» (من ألحان زكريا أحمد)... تتميّز نسرين (ميتزو سوبرانو) بنبرة خاصة، وتبدو متمكّنة من التطريب. للعزف على العود نكهة خاصة في «بابل»، الذي عوّدنا على استضافة ألمع العازفين (نصير شمّة، مثلاً). هذا الموسم، سيشاهد محبّو العود العازف العراقي الشاب خيام اللامي (1981) في أداء حيّ (24 و25 /8) ضمن جولة ترويجية لباكورته «رنين أقلّ». الموسم الرمضاني في «بابل» بدأ يحتلّ مكانة خاصة في المشهد الثقافي اللبناني.

(البرنامج ومواد فيديو على موقع «الأخبار»)
أمسيات رمضانيّة: 9:30 من مساء اليوم حتى 27 الحالي ــــ «مسرح بابل» (بيروت). للاستعلام: 01/744033



حتى النصر...

بعد غدٍ السبت، تحلّ فرقة «كتيبة 5» ضيفة على «بابل» في أمسية «حتّى النصر 1»، وتعود فرقة الراب الفلسطينية المعروفة لتختم الموسم الرمضاني بأمسية «حتّى النصر 2» (27/ 8). «كتيبة 5» الخارجة من رحم المخيّمات في لبنان (برج البراجنة)، تضمّ خمسة شبّان يعبّرون عن نبض الشارع الفلسطيني، ويقولون أحلامهم الهاربة، وتمسّكهم بالقضيّة والوطن المسلوب. إنّ وقْع كلامهم المقفّى سيكون خاصاً على الجمهور البيروتي. اختيار هذه الفرقة لتشارك في برنامج «بابل» لهذا الموسم لا يبدو صائباً فحسب، بل أكثر من ذلك، إذ يعكس موقفاً تضامنياً بدلالات عميقة ورمزيةً، وخصوصاً في هذا التوقيت.