منذ الإعلان عن مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية» انطلق جدلٌ ديني كبير بشأنه. جدلٌ تأجّج أخيراً بين المراجع الدينية الإسلامية، والمؤسسات الفقهية الشيعية والسنية. يروي العمل مرحلة مهمة من التاريخ الإسلامي، وهي الفترة التي تلت وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ثم تعاقب كل من علي بن أبي طالب، والحسن بن علي، ومعاوية على الحكم. وقد شهدت هذه المرحلة تحديداً حوادث مهمة في التاريخ الإسلامي مثل معركَتي الجمل، وصفين، وواقعة استشهاد الحسين بن علي، ثالث أئمة الشيعة في كربلاء.
ولعل جوهر الخلاف الفقهي بشأن العمل يتلخّص في رفض الشيعة الصورة الإيجابية التي يقدمها المسلسل عن شخصية معاوية بن أبي سفيان. وكان الإيرانيون سباقين في تشويه صورة معاوية في أحد أهم المسلسلات التاريخية التي أنتجوها، أي مسلسل «الإمام علي» من إخراج داوود مير باقري.
كذلك، فإنّ نقطة أساسية أخرى جعلت المسلسلات التاريخية تسهم بقوة في الحرب العقائدية السنية الشيعية. وهذه النقطة هي اعتماد المنظور المذهبي للتاريخ. مثلاً مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية» يقدم شخصية عبد الله بن سبأ وفقاً للمصادر السنية. وهي المصادر التي تؤكد أنه شخصية حقيقية أسهمت في التأسيس العقائدي للمذهب الشيعي. وعبد الله بن سبأ يهودي من اليمن (بحسب المصادر السنية) أسلم في أواخر حكم عثمان، وأصبح من أصحاب علي بن أبي طالب، وانتقل إلى الحواضر الإسلامية، كما كان العقل المدبر للثورات ضد الأمويين. وحسب المنظور السني، فإنّ الكثير من أساسيات المذهب الشيعي تعود إلى المعتقد اليهودي بحكم الديانة الأولى التي كان يعتنقها بن سبأ.
أما عند الشيعة، فإن بن سبأ يبقى مجرد خرافة وشخصية مختلقة، استهدفت تشويه المرحلة التأسيسية لمذهبهم، وحاولت ربطها بالديانة اليهودية. باختصار، ترى بعض المراجع الشيعية الإيرانية أن الهدف من مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية» نسف أساسيات مذهبهم. ويرى الإيرانيون أن هذا العمل الدرامي ما هو إلا رد فعل عربي سني على مسلسل «المختار الثقفي»، الذي عرضته قنوات إيرانية وعربية، وتناول تقريباً المرحلة نفسها التي يتناولها «الحسن والحسين ومعاوية». ولم تقتصر ردود الفعل المعترضة على إيران، بل إنّ شيعة العراق أيضاً طالبوا بوقف عرضه لأنه «يثير الحساسيات الطائفية في البلاد» (راجع الموضوع أدناه).
ورأى بعض النقاد والمعنيين بشؤون السينما والدراما، أن غياب وجهات نظر المخرجين والمنتجين لهذه المسلسلات التاريخية، يكشف هيمنة الفكر المذهبي على الوسط الفني. ويضيف هؤلاء إنه في وقت تخطو فيه السينما المستقلة نحو الاستقلالية والتحرر من هيمنة المؤسسات الرسمية والمذهبية، فإن الدراما لم تقطع بعد هذه المسافة. وهو ما يفسّر احتلال الفقهاء للواجهات الصحافية والإعلامية للحديث عن مسلسلات تلفزيونية، بلغة فقهية بحتة تحرّم ما تريد، وتحلل ما تريد.