حافظت سينما راوول رويز على صلات وثيقة بالأدب. فأعمال المعلم التشيلي لم تخرج من معطف «الواقعية السحرية» اللاتينية فحسب، بل يمكن أن نجد بينها أفلاماً مقتبسة عن أعمال أدبية شهيرة. فبعد تجربته الأولى في اقتباس رواية «جزيرة الكنز» (1985) لروبرت لويس ستيفنسون، نقل رويز إلى الشاشة «الوقت المستعاد» لمارسيل بروست (1999)، و«الأرواح القوية» لجان جيونو (2001)، و«بيت نوسينغن» لبلزاك (2008)، وصولاً إلى عمله الأخير «أسرار لشبونة» (2010) المقتبس عن ثلاثية روائية للبرتغالي كاميليو كاستيلو برانكو. إلى جانب أفلامه التي جاوزت المائة، كانت لراوول رويز إسهامات نقدية عديدة، أبرزها كتابه «شعرية السينما» Poétique du Cinéma. صدر الجزء الأول من الكتاب عام 1995 عن منشورات Dis Voir، وتأخر الجزء الثاني عقداً كاملاً، ليصدر عام 2006 عن الدار نفسها. يستكمل المعلّم التشيلي فيه أبحاثه المنصبّة على نقد الأنماط السردية السائدة في السينما التقليدية. «كل عمل سينمائي يستند، بشكل أو بآخر، إلى السرد، مهما كانت البنية التي يتبناها. لقد كان منطلقي على الدوام اقتناع راسخ بأن طبيعة الصور التي ننتجها، هي التي يجب أن تحدّد طبيعة البنية السردية، لا العكس. وأنا أعي تماماً، أنّ هذا يفترض إعادة نظر جذرية في أنظمة الإنتاج والتأليف والإخراج. لكنّه يعني أيضاً أنّ أشكالاً جديدة من السينما، وأصنافاً أخرى من الشاعرية السينمائية تبقى ممكنة». ويضيف شارحاً أسلوب «المتاهة السردية» الذي ابتدعه: «بالنسبة إليّ، الفيلم السينمائي عبارة عن رحلة. ومتعة السفر لا يمكن أن تكتمل إلا إذا تقبّل المسافر، أحياناً، بأن يسلك دروباً مسدودة، لا تفضي إلى أي وجهة... وذلك لأن التيه جزء لا يتجزأ من لذة الاكتشاف».
الرؤيا التجديدية التي نادى بها راوول رويز استندت أساساً إلى نقد «نظرية الصراع المركزي» التي ظهرت في هوليوود الثلاثينيات، ثم تحوّلت إلى دوغما مهيمنة على الفن السابع. ويشرح رويز في كتابه أن هذه النظرية الهوليوودية اقتُبست من تقنية سردية طوّرها جورج برنارد شو في مسرحياته الإذاعية الشهيرة. ومفادها أن البنية السردية تحتاج لكي تتماسك، لـ«صراع مركزي»: «شخص يريد شيئاً ما، يصطدم بمن يريد (أو يريدون) منعه من ذلك. ثم تُنسج حول هذا الصراع قصة تتفاعل وتتشابك ضمنها الأحداث والشخصيات والمصائر». وجد رويز في هذه الصراع رؤية تقليدية، لم يطرأ عليها أي تحديث منذ نظرية أرسطو القائل بأن القصة يجب أن تكون لها بداية، فحبكة، ثمّ خاتمة. عوضاً عن هذا السرد الخطي الكرونولوجي، اقترح رويز «سرداً تراكمياً»، «تتداخل فيه الأحداث وتتقاطع وفق وجهات نظر، وزوايا رؤية، ومستويات قراءة متعددة».