شياطين مَرِحون يتقاسمون صفحات العدد الجديد من «السمندل»، مع سعاد حسني ونور الشريف. حرص محرّرو المجلّة خلال الأعداد الماضية، على أن يكون الغلاف عملاً فنياً قائماً بذاته. وهذه المرّة يحمل الغلاف توقيع السويسري من أصل لبناني ألكس بلدي. صمّم الرسام صاحب التجربة الواسعة والمتشعبة، غلافاً مخرّماً، مركزه أبنية العاصمة. وحولها، رسم بعض شخصيات العدد، خارجة من تحت الأرض، لتحوم في الفضاء.
العدد الذي يحمل الرقم ١١، يكرّس انشغال «السمندل» بتقنيات الكومكس وأدواته المختلفة. في «بعدين تشكيل» مثلاً اختارت الممثلة والكاتبة الفلسطينية سهير حماد كتابة نصّ فوق صور من فيلم «الخوف» (1972) لسعيد مرزوق، من بطولة سعاد حسني ونور الشريف، اشتغلها جو نامي. الخلطة بين الصور الشهيرة والنص مثيرة للاهتمام، تقترح نظرة شاعريّة إلى قضايا مختلفة كالنسيان والحب والرقابة...
من جهتهما، يخوض ألكس بلدي وعمر الخوري في «تداخلات»، تمريناً تقنياً صعباً، يستلهم مدرسة OuBaPo الشهيرة. وهذه الأخيرة، ورشة متواصلة أطلقتها مجموعة فنانين فرنسيين مطلع التسعينيات، بهدف فرض قواعد أصعب على صعيد تنفيذ الشرائط المصوّرة. خرج بلدي والخوري بقصص متداخلة، فيها وحش وثلج وموت وكبريت وقراصنة... وجميلات «سيليكون» على الشواطئ اللبنانية.
يغوص «السمندل 11» أيضاً في عالم الخيال العلمي، والميتافيزيقي. آندي وارنر ـــــ وهو المحرر الضيف في هذا العدد ـــــ يرسم جلسة استحضار أرواح، مع جرعة فكاهة عالية. يطلب البطل مساعدة الشيطان إزاشيل، لكنّه يفاجأ بظهور زميله عوضاً عنه. أمّا السبب، فهو أنّ إزاشيل في إجازة، برفقة حبيبته على البحر! باسكال تيسييه بدروه يرسم ديستوبيا Dystopia مستقبليّة (في ديكور متشائم هو نقيض اليوتوبيا)، عن نص للشاعر والمفكر الأميركي هنري دافيد ثورو، بعنوان «سير».
يلقي «السمندل 11» الضوء على أعمال المعتزّ الصواف، أحد أبرز الرسامين اللبنانيين مطلع السبعينيات. قصتان من توقيع الصواف تفتتحان العدد، محملتان بمضمون سياسي واضح، يعكس صورة واقعية عن بيروت بداية الحرب الأهلية. في «طش فش»، و«فطوم بتشوف البخت»، يظهر المسلحون، والدماء، وعبارات من زمن الاقتتال. تبدو المقارنة ملحّة بين الصواف، والرسامين الشباب على صفحات «السمندل».
تنقل أعمال الصواف لحظة سياسية واضحة، وتأخذ موقفاً من مرحلة مأزومة، كما أنّها تنتمي إلى تيار كلاسيكي في الكومكس. أمّا تجارب الشباب، فتغرق في خيالات سريالية، وتأتي تجسيداً لهموم شخصية وذاتية، فلسفية أو نفسية، مع ميل نحو التجريب في المضمون والشكل. على سبيل المثال، تستلهم إيلين جورج الفنون الإباحية اليابانيّة مطلع القرن التاسع عشر، وتحديداً لوحة هوكوساي (1760 ـــــ 1849) الشهيرة المطبوعة على خشب «حلم زوجة الصياد» (1814). اختار خيال تلك الحقبة ابتداع استيهامات مركزها مخلوقات ووحوش بحريّة. وفي قصّتها «الجزيرة السريّة»، تعطي التشكيلية الفرنسية الشابة الأخطبوط الأسطوري رأس إنسان... نجده هنا يختطف امرأة من على الشاطئ ويغتصبها.
في بعض القصص يدخل التجريب في الشكل متاهات، تجعله مستعصياً على الفهم، كما في قصة من دون عنوان، تحمل توقيع عمر خوري وبرّاق ريما. يترك الرسامان فقاقيع الكلام فارغة، كأنّهما يدعواننا إلى ملئها. يدخلان من إطار، يخرجان من آخر، وحولهما جنود وأبقار تخور... عدم الوضوح المبالغ فيه هنا يميّع القصة. فهو لا يخدم خطاب التجريب إن كان مقصوداً، بل إنّه قد ينفّر أشدّ المتحمّسين له.
يبقى العدد ناقصاً، مع غياب أيّ إشارة إلى الثورات العربيّة الشابّة. كأنّ المجلّة الفصلية التي اختارت أن تكون منبراً لجيل من الرسامين الشباب، نسيت أنّ هناك تحولات تاريخية تدور في الجوار! يبدو أنّ الثورة سقطت سهواً من «السمندل»... في انتظار العدد المقبل ربما.



حقيقة وعدالة

يخصص «السمندل 11» حيّزاً لنتائج ورشة «24 ساعة مع الشرائط المصوّرة» مع 12 فناناً لبنانياً وأجنبياً، بالتعاون مع المنتدى البلجيكي «غران بابييه». فيه يكتشف القارئ مقاربات فنيّة مختلفة، عن موضوع الحقيقة والعدالة، بريشة ألكس بلدي ولينا مرهج وحاتم إمام وجنى طرابلسي.