الاحتفاء بالفنان والسينمائي البريطاني ستيف مكوين (1969)، رغم فتوّة تجربته السينمائية، ليس أمراً متعجّلاً... تجربته الواسعة في ميدان الفنون البصريّة، والحفاوة النقدية التي حظيت بها باكورته الروائية الطويلة «جوع» (2008) («الكاميرا الذهبيّة» في «كان»)، تجعلانه من أبرز وجوه الفنّ السابع في العالم اليوم.يعود مكوين أخيراً إلى دائرة الضوء من خلال العرض المرتقب لشريطه الجديد «عار» Shame، في اثنتين من كبريات التظاهرات السينمائية، «مهرجان البندقيّة السينمائي 68» ( بين ٣١/ ٨ و١٠/ ٩ )، و «مهرجان تورنتو السينمائي الدولي» (بين ٨ و١٨/
١٠).
إنّه سينمائي مينيمالي، تجريبي، وجدلي أيضاً، متأثر بالموجة الفرنسية الجديدة، وبآندي وارهول. يستمدّ إلهاماته من الحياة نفسها، أو كما قال مرة: «أهتم بالفعل وطريقة التفاعل». عمل مكوين في ميدان الـ«فيديو آرت»، وأنجز أعمالاً فوتوغرافية تناقش قضايا التفاعل مع الإنسان أو مع البيئة، واستثمر خبرته الطويلة في مجال الفنون البصرية في شريطه السينمائي الروائي الأول «جوع» (2008). حين عرض العمل في «مهرجان كان»، كان وقع الصدمة قوياً على الجمهور الذي انقسم بوضوح إلى فئتين: هناك الذين غادروا الصالة قبل انتهاء العرض، والذين تلقّفوه بموجة عارمة من التصفيق.
تمتزج في ذاك الشريط حرفية الصورة، والثبات والمينيمالية، إحدى ميزّات أعمال مكوين في مجال الـ«فيديو آرت». يروي «جوع» أحد الفصول المهمة في تاريخ «الجيش الجمهوري الإيرلندي» من خلال تجربة سِجن أحد أعضاء الجيش بوبي ساندز الذي يؤدي دوره مايكل
فاسبيندر.
يستعيد الشريط تحديداً إضراب ساندز الشهير عن الطعام عام 1981، احتجاجاً على رفض الحكومة البريطانية الاعتراف به ورفاقه سجناء سياسيين. خلال تلك المعركة، انتخب عضواً في برلمان المملكة المتحدة، حتى وفاته في السجن بعد ستة وستين يوماً من الإضراب.
نقل مكوين الواقعة الشهيرة سينمائياً بحرفيّة بالغة، جعلت الفيلم أشبه بوثيقة تاريخية جمالية، ومحاولة دراسة شخصية ساندز أثناء تلك الفترة. الصورة هنا هي فوق كل شيء. يتركها مكوين بجمالها وقسوتها لتعبّر عمّا يمكن أن يصل إليه الإنسان في أقسى ظروفه.
لا يبدو مهتماً بالحدث السياسي نفسه، بقدر ما هو مهتم بروايته. خيارٌ قاده ربّما إلى الموافقة ــــ للأسف ــــ على الذهاب إلى العراق عام 2006 «كفنان حرب رسمي» مبعوثاً من قبل متحف الحرب الإمبراطوري. كانت النتيجة مشروعه الفني «ملكة ووطن»، القائم على وضع صور الجنود البريطانيين القتلى في العراق على طوابع بريدية.
الاحتفاء النقدي الذي لقيه «جوع» شدّ الأنظار إلى فيلمه الثاني المرتقب «عار». الشريط عمل درامي، كتبه مكوين بالتعاون مع الكاتبة المسرحية الإنكليزية آبي مورغن. في الدور الرئيسي، يتعاون مكوين مرة جديدة مع مايكل فاسبيندر. يتقمّص الممثل الإيرلندي الألماني دور براندون، وهو نيويوركي في الثلاثينيات يفقد القدرة على إدارة رغباته الجنسية المكبوتة... يزداد وضعه سوءاً مع انتقال شقيقته سيسي (كاري موليغان) إلى السكن موقتاً في شقته.
هذه المرة يستكشف مكوين الجنس من خلال تتبّع دقيق لطبيعة رغبة براندون. ورغم شحّ الصور والمعلومات المتوافرة عن العمل، تشي الصور المتداولة عنه، حتى الآن، بأجواء تشبه أسلوب «جوع». سنتتبع علاقة براندون بأخته العنيدة، وبمديره، وبماريان عشيقته الجديدة. وفي انتظار ما سيثيره الشريط من ردود فعل في البندقيّة ثم في تورنتو، يجتهد هواة السينما منذ الآن لتصوّر الطريقة التي اختارها هذا الفنّان الذي يغرّد خارج السرب، للغوص مرّة جديدة في أعماق النفس البشريّة.



تاريخ العبوديّة

عشيّة استعداده لإطلاق فيلمه الثاني «عار»، يعمل ستيف مكوين على عمل جديد يتناول موضوع العبوديّة. يحمل الفيلم عنوان «12 سنة من العبودية»، وسيؤدي بطولته الممثل البريطاني شويتل إيجيوفور. يروي الفيلم سيرة سولومون نورثب، الرجل الحر الذي اختطفه شخصان ادّعيا أنّهما سيوظّفانه موسيقياً في سيرك في واشنطن، لكنهما خدّراه، وباعاه أكثر من مرة، لينتهي عبداً في مدينة نيو أورلينز. الفيلم الذي كتبه كل من مكوين والكاتب الأميركي جون ريدلي، ويشارك في إنتاجه النجم الأميركي براد بيت، يستند إلى مذكرات سولومون نورثب التي تعدّ مرجعاً مهماً في تاريخ العبودية في واشنطن.