طهران | بعد الرقابة التي فُرضت في طهران قبل فترة على أشهر ملحمة شعرية أسطورية فارسية هي «خسرو وشيرين» لنظامي الكنجوي (عبر شطب بعض فقراتها)، ها هي وزارة الثقافة الإيرانية تضرب من جديد. فقد أصدرت أخيراً قراراً يقضي بحذف الأشعار الصوفية من الغناء الإيراني. الشروط التي يضعها المسؤولون الإيرانيون على الحقل الفني تضاعفت في السنوات الثلاث الأخيرة، والمستهدف هذه المرة ليس فرق البوب والغناء الحديث فحسب، بل أيضاً الأغنية التراثية الإيرانية. ويرى متابعون أنّ هذا القرار سيحجم الأغنية التراثية، ويجعلها تفقد مضمونها.
القرار الذي أعلنه رئيس قسم الموسيقى في وزارة الثقافة الإيرانية محمد میرزماني، يضع جميع الفرق الموسيقية في موقف صعب: عليها أن تعيد تسجيل أغنياتها وفقاً للشروط الجديدة. فنانون إيرانيون رأوا أن القرار بمثابة إلغاء لجميع التراخيص التي منحتها وزارة الثقافة الإيرانية للفرق الموسيقية سابقاً، وأكدوا أن القرار يمثّل الخطوة الأولى صوب حصر حقل الغناء في إيران بالابتهالات والأدعية والأناشيد الدينية.
الأشعار الصوفية مكون أساسي يحتلّ المكانة الأرفع في عمق الثقافة الإيرانية واللاوعي الجمعي. قصائد كبار الشعر الصوفي الفارسي أمثال حافظ الشيرازي و ـــــ «مولانا» ـــــ جلال الدين الرومي مثّلت على مدار مئات الأعوام الرافد الأساس للغناء التراثي الإيراني، بل إنّ التطور الأساس الذي شهده الغناء الإيراني في السنوات الأخيرة تمثّل في اعتماد فرق البوب الإيرانية على التراث الصوفي، وتطويعه ليتماشى مع الإيقاعات الجديدة.
لا يعتقد المسؤولون الإيرانيون أنّ قرارهم سيحجّم الغناء الإيراني. هم يتذرعون بالبعد الأخلاقي تارة، والبعد الفني طوراً. وإذا كانت موسيقى البوب الإيرانية قد زاوجت في النصوص التي اعتمدتها، بين اللغة اليومية المعاصرة والأشعار العرفانية (الصوفية)، فإن جوهر الأغنية في ايران يرتبط بصلة وثيقة بالينابيع الروحية والشعر الصوفي، كما أنّ الأغنية التراثية هي الحاضنة الأساسية للأجواء الروحية المشتركة بين القوميات الإيرانية. إلا أن هذه الاعتبارات جميعها لا تصمد أمام تصميم المسؤولين الإيرانيين على حذف المكون العرفاني من الحياة الثقافية والفنية.
البعد الصوفي المتسامح يسعى إلى ترسيخ مكانته من خلال الوسائل العصرية الحديثة، كالحفلات الفنية والألبومات الغنائية، إلا أنه يواجه اليوم قيوداً عدة تعرقل حريته في الانفتاح على الحياة العصرية. والواقع الإيراني يؤكد حضور الفقهاء في كل حدث ذي صلة بالموسيقى، كأنّ قدر المجتمعات الشرقية أن لا تتحرر من فقهائها، وأن تعيش حتى اليوم صراعاً مريراً بين الإبداع والكهنوت.