الباب الزجاجي الأنيق الذي كان يوماً ما، واجهة "مكتبة ميسلون" تحوّل إلى "مكتب للصرافة". بات علينا أن نتوقّف أمام اللوحة الالكترونية لمعرفة أسعار العملات، ونسيان ذلك الزمن السعيد للمكتبة التي كانت مركزاً للكتب الاشتراكية، ومنشورات "دار التقدّم" الموسكوفية، وأحدث الروايات العربية والمُترجمة.
الفتاة التي تجلس وراء الكونتوار، لا تعلم أنها تسند ظهرها إلى الجدار نفسه الذي كان يحتوي رفوف الكتب، كما أنها لا تشعر بالحرج، لاختفاء أغلفة كتب كارل ماركس، أو حشرجات "آنا كارنينا" تولستوي، أو صهيل "غولساري" جنكيز ايتماتوف، فالمسألة برمتها تتعلّق بـ"رأس المال". هكذا ذهبت الرؤوس وبقي المال. المال الذي يفتّش عن مسارب جديدة تتواءم مع المرحلة. ليست المكتبات بين هذه المسارب بالطبع، فعلى بعد شارعين فقط، أفلح إعلان صغير ببيع "مكتبة اليقظة" وسط شارع المتنبي، لتتحوّل هي الأخرى إلى محل لبيع البوظة، على ما يُشاع في الوسط الثقافي السوري بلا اكتراث. بإمكانك اليوم، الحصول على الكتب، إن كنت من هواة النوع، من فوق الأرصفة، بعد انتشار حمّى القرصنة، وبأسعار مناسبة. ناشرو الظل يكدّسون الكتب الرائجة، من دون أن يحاسبهم أحد، ففي ظل "الأزمة" ستجد أحدث الإصدارات العربية، بنسخ مزوّرة، تحتاج إلى عين خبيرة لاكتشافها، ففي المحصلة ما يهم القارئ هو أن يحصل على الكتاب، بربع ثمنه الأصلي، فأمين معلوف، أو أليف شفق، أو باولو كويلو، هم أنفسهم، سواء أكانوا بنسخ أصليّة أم مزوّرة، أما هواة الكتب القديمة فسيجدون ضالتهم على أرصفة أخرى وبأسعار "البالة"، طالما أن مصدر معظم "البضاعة" هو المافيات الصغيرة للتعفيش، أو بعض ممن هجر هذه اللوثة تحت وطأة "قسوة العيش". أحد باعة الأرصفة، يعيش منذ عقود، على ميراث نزار قباني، بطبعات متتالية وعابرة للأجيال، من دون أن يحاسبه أحد، ففوضى "الملكية الفكرية" أتاحت لانتشار لصوصية ثقافية جديدة، ليست "حقوق المؤلف" في متن بنودها، حتى أن جهة ثقافية رسمية، اخترعت سلسلة تراثية تقوم على القص واللصق من هبة "غوغل" المجانيّة، وجهة أخرى تصدر كتاباً شهرياً، يتناوب على "اختياره" عتاولة المؤسسة، من دون علم صاحب الكتاب، طمعاً في المكافأة وحسب. مكتبات دمشق تتهاوى تحت ضربات الحرب، وغلاء الكتب، وصعوبة الاستيراد، فيما احتفل محل "أبو شاكر" للعصير في حي الصالحية، بمرور ستين عاماً على تأسيسه، وحصول موقعه على الانترنت على أكثر من مليوني لايك.
عليكم إذاً، بعصير الجزر كي لا تتحوّلوا إلى عميان.