يفشل سكان شارع الأسمر في انتخاب ممثل عنهم، بعد أن تصلهم رسالة رسمية تلزمهم بذلك. هذا التفصيل في مسرحية «صورة شمسية»، لا يحمل أيّ تلميح سياسي إلى حق الانتخاب، أو مأساة الديموقراطية المجهضة في البلاد العربية. كل ما في الأمر أن جوليان بطرس، مؤلّف ومخرج العرض الذي سيقدَّم الأسبوع المقبل في«مسرح دوّار الشمس»، أراد أخذ موضوعه إلى جانب نفسي اجتماعي أعمق، حيث الأنا المنغلقة على ذاتها التي لا تستطيع محاورة الآخرين أو التفاعل معهم. المخرج الذي يشارك أيضاً في التمثيل، استخدم آلة التصوير بطريقة مبتكرة.
إنّها الآلة التي ينبغي للممثل المنتخب اقتناؤها كمعادل رمزي، تسترجع من خلاله شخصيات العرض ذكرياتها المتوهمة.
الصور الملتقطة من الواقع المعيش، تكشف لاحقاً عن ضعف علاقة هؤلاء الأفراد بذواتهم، وانعكاس هذا الضعف على علاقتهم بالآخرين، وانعدام أي قدرة على التفاعل مع العالم الخارجي. هذه الصور المتوهمة عن الأنا تعلق في آلة التصوير، ما يجعلهم يعتقدون بأنهم دفنوا «أنواتهم» القديمة، لكنّهم ما لبثوا أن أعادوا نبشها من مكان آخر. تسع «أنوات» ستتصارع على الخشبة لمدة ساعة ونصف ساعة (نغم عبود، هبة نجم، راشيل سلامة، جوليان بطرس، هبة سلامة، هادي دعيبس، رومي ملحم، جان يوسف، بسمة بيضون)، لنشاهد خلالها مونولوجات متقطّعة تتعرى عبرها كل شخصية لتظهر تضخمها الأنوي، وتخرج ما بداخلها من هواجس وأسئلة وتعثرات نفسية تمنع الوصول إلى الآخر والتفاعل معه. تهتم «إلهام» (نغم عبود) الإعلامية والمذيعة الشهيرة بالصورة التي يكوّنها الآخرون عنها، وتقتنع بتضخّم هذه الصورة مهملةً حقيقتها. فيما تشعر «كارولين» (راشيل سلامة) بأنّها مسجونة داخل قفص العلاقة الزوجية، إذ يتحول الروتين اليومي إلى صراع يبلغ ذروته في رمزية الوقت وثقل مروره.... قصص كثيرة تمر في سياق العرض الذي ينهمك أبطاله في الاحتفاء بذواتهم الغامضة والمدمرة، والتلذذ بمحو الآخر وإلغائه. تتصاعد الأحداث تباعاً في إطار درامي سيكولوجي يحدث التحول فيه حين تأتي سائحة أجنبية إلى المدينة وتوهم أهلها بأنها مغنية أوبرا.
جوليان الذي أشرف سابقاً على إخراج مسرحيتين «بين أسود فاتح وأسود غامق» (2007) و«نص نص» (2008) لا ينفي العلاقة بين فكرة مسرحيته القائمة على حب الأنا وعبادتها، وطبيعة العلاقات في المجتمع اللبناني. يقول لـ«الأخبار»: «أنا ابن بيئتي، أتأثر بها حكماً. لكن فكرة المسرحية تتجاوز لبنان لتتناول أي مدينة في العالم تتحكم الفردية والأنانية في العلاقات بين أفرادها». ويضيف المخرج الشاب: «المجتمعات التي لا يتفاعل أفرادها بعضهم مع البعض الآخر، لا يمكن أن تتطور».



«صورة شمسية»: من 8 حتى 11 أيلول (سبتمبر) ـــ «مسرح دوّار الشمس» (الطيونة/ بيروت). للاستعلام: 01/281290