اختار رشيد بوشارب ألا يكشف عن ثلاثيته الأميركية إلا بعد الانتهاء من تصوير الجزء الأول منها، واستكمال كتابة سيناريوات الفيلمين الآخرين وتوقيع عقودهما الإنتاجية. تعِد هذه الثلاثية بالكثير من التنوع، بين الدراما الاجتماعية والكوميديا الساخرة والمغامرات البوليسية. لكن بوشارب يقول إنّ تيمة مشتركة تجمع بينهما، وتتعلق بالإشكالات التي تعكر العلاقات بين العرب والغرب.ويضيف: «أنا قادم من شمال أفريقيا، وأعيش في باريس. كنتُ في السابق أنجز أفلاماً جزائرية وفرنسية، وأستعد الآن لتقديم أفلام أميركية. لكن مضامين أفلامي لن تتغير. ستظل محمّلة دوماً بالهم الإنساني ذاته المتعلق بالصلات الإشكالية بين الشرق والغرب. وفي هذه الثلاثية الأميركية، يشغلني هاجس دائم يتعلق بحضورنا ومكانتنا نحن الجاليات العربية في الغرب. وأطرح الأسئلة ذاتها التي أثرتُها في أفلامي السابقة: من نحن؟ من أين جئنا؟ وبأي اتجاه نسير؟ وإلى أي مدى يمكن أن نتفاءل بمستقبل علاقاتنا بالغرب؟».
يحمل الفيلم الأول من هذه الثلاثية الأميركية عنوان Just Like a Woman (تنويعاً على أغنية بوب ديلان الستينية الشهيرة). ويروي قصة امرأتين تتعارفان خلال رحلة من شيكاغو إلى لاس فيغاس. وسرعان ما تنشأ بينهما صداقة قوية، لأن كلتيهما هاربتان من التسلط، وتسعىان إلى التحرر وتحقيق الذات. لكن الأولى مهاجرة مغاربية (تؤدي دورها النجمة الإيرانية غولشيفته فرحاني)، والثانية مواطنة أميركية (النجمة سيينا ميللر). ويتبين تدريجاً أن الحرية المنشودة يختلف مفهومها عند كل واحدة منهما. الأولى تسعى إلى التحرّر من العنصرية التي تطاردها التي تدفع الشرطة إلى الاشتباه بأنها إرهابية بسبب تديّنها وأصولها الجزائرية. أما الثانية فتريد أن تتحرّر من القيود العائلية لتحقيق حلمها بأن تحترف الرقص الشرقي في لاس فيغاس!
هذا الفيلم الذي انتهى تصويره أخيراً في شيكاغو سيجد طريقه إلى صالات العرض في شباط (فبراير) المقبل. في انتظار ذلك، سيشرع رشيد بوشارب هذا الخريف في تصوير فيلمه الأميركي الثاني «شرطي بيل فيل»، وهو كوميديا ساخرة تشارك في كتابة قصتها مع السيناريست الأميركي لاري غروس الذي اشتهر في الثمانينيات بسيناريوات سلسلة أفلام المغامرات «48 ساعة» قبل أن يتحول نحو تأليف سيناريوات أكثر عمقاً وتميزاً، من أشهرها «جيرونيمو: أسطورة أميركية» (إخراج والتر هيل ــــ 1993).
يروي «شرطي بيل فيل» مغامرات محقق شرطة فرنسي من أصل عربي (النجم الكوميدي جمال دبوز)، يُنتدَب في مهمة خاصة إلى لوس أنجليس، حيث يُطلب منه التعاون مع محققة زنجية أميركية (نجمة الراب كوين لطيفة). ويعد بوشارب بأنّ هذا الثنائي الناري سيتألق في إبراز المفارقات الفاقعة بين العقليات الأوروبية والأميركية، فضلاً عن السخرية من التهم العنصرية المتبادلة بين العرب والسود التي لا تخفّف منها العنصرية البيضاء المسلّطة على كليهما!
أما الفيلم الذي ستُختتم به هذه الثلاثية، فسيحمل عنوان «رجلان في المدينة». وهو عبارة عن نسخة عصرية من فيلم يحمل العنوان ذاته ويعد من كلاسيكيات الأفلام البوليسية الأوروبية (إخراج خوسيه جيوفاني، بطولة ألان ديلون ـــــ 1973). لكن بوشارب سينقل أحداث قصة الفيلم من باريس الستينيات إلى أميركا ما بعد هجمات 11 سبتمبر، ليصوّر معاناة سجين زنجي مسلم (سيؤدي دوره النجم فورست وايتكر) يُطلق سراحه بعد سنوات من السجن بسبب تهم ظالمة. ثم يستقر في بلدة صغيرة في أريزونا، غير بعيد عن الحدود المكسيكية. لكن التهم العنصرية تظل تطارده من البوليس المحلي، ثم من بعض سكان المنطقة المنضوين في «لجان المواطنة»، التي برزت في عهد بوش وتضم متطوعين يمينيين متطرفين مهمتهم مطاردة المهاجرين المتسللين من المكسيك...