مثّل اغتيال هادي المهدي صدمة لرفاقه ممن صمّموا على مواصلة المسيرة الحضارية ومواجهة الفساد والانحطاط الذي أصاب الحياة العراقية، إن في بعدها السياسي، حيث غطرسة الأحزاب الدينية المتشددة، أو في بعدها الاجتماعي حيث هيمنة الفكر الغيبي الخرافي، ما جعل أي ممارسة نقدية في مصاف المعصية التي تستحق العقاب. وفي كلا الجانبين، كان المهدي مثقفاً مناضلاً. جرأته جعلته في منأى عن أي مهادنة، سواء في برنامجه «يا سامعين الصوت» أو على فايسبوك، أو في ساحة التحرير.
قبل يوم من اغتياله، كتب على صفحته على فايسبوك أنه يعيش أياماً من الرعب بسبب التهديدات التي وصلته، لكنه أكد مواصلته المشاركة في تظاهرات حملت اسمه بعد اغتياله.
سبق للمهدي أن اعتقل بسبب دوره الكبير في التظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير التي شهدتها بغداد منذ 25 شباط (فبراير) الماضي. وقد كشف في مؤتمر صحافي عقده آنذاك عن ملابسات اعتقاله وتعرضه للضرب على يد محقّقيه. وجاء في الدعوى التي نشرها عبر وسائل الإعلام: «أتقدم بالشكوى ضد القائد العام للقوات المسلحة بشخصه ووظيفته جراء تعرضي للاختطاف والاعتقال من دون مذكرة قضائية ولا جرم وتعرضي للإهانة والضرب. وألفت نظر الرأي العام العراقي إلى أنّه في حال تعرضي أو تعرّض أسرتي لأي خطر، أضع مسؤولية ذلك على عاتق الجهة نفسها التي أشتكيها وأتظلم منها».
قد يصعب تحديد هوية القاتل بسبب النقد الحاد الذي كان يوجهه المهدي إلى مختلف الجهات في الحكومة وخارجها. لكن التوقيع بكاتم الصوت سرعان ما يكشف هوية الجناة. إنّهم أولئك الذين كشف المهدي بالكلمة صورتهم الحقيقية: أحزاب انتهازية جعلت العراق في صدارة البلدان التي يتفشى فيها الفساد والنهب والإخفاق في توفير أبسط مستلزمات الحياة الكريمة للمواطن العراقي. إنّها الجهات الدينية المتشددة التي أخضعت العراقيين لابتزازات مذهبية منحطة.
يستبعد كثيرون أن يكون اغتيال المهدي قبل يوم من تظاهرة «جمعة البقاء» مجرد مصادفة، فيما أعلنت السلطات العراقية أنها ستجري تحقيقات على غرار وعودها السابقة.
لكن على أي حال، فاغتيال المهدي قبل يوم من تظاهرة حاشدة، برهن مجدداً أنّ الديموقراطية العراقية مشوّهة، أنتجت أحزاباً تنتمي إلى الكهنوت الديني الذي لا يسمح بأبسط مفردات حقوق الفرد في التعبير عن أفكاره ومواقفه المعارضة. التحول الأساسي الذي يحسب لـ«الديموقراطية» العراقية أنّها غيّرت آلية تصفية الخصوم: لقد حلّ كاتم الصوت مكان فتاوى التكفير!