غزة | اندلعت الثورات في العالم العربي، فرتّبت وسائل الإعلام العربية أولوياتها... بعيداً عن القضية الفلسطينية. واقع جديد بدأ المراسلون الفلسطينيون يلمسونه مع إهمال الفضائيات لتقاريرهم أو عرضها «بعد الفاصل». حتّى إن التصعيد الإسرائيلي الأخير في غزة، وسقوط الشهداء، بقي خبراً هامشياً في الإعلام الغربية والعربي. ولعلّ المثال الأبرز على هذا الواقع الجديد كان أداء قناة «الجزيرة» التي تفرد ساعات طويلة من بثّها للانتفاضات العربية من دون التطرّق إلى الملف الفلسطيني إلا نادراً أو بإيجاز.
تتحدّث لنا شاهين، مراسلة قناة «النيل» الفضائية عن الفرق بين التغطية الفلسطينية في السابق وما يعرض اليوم: «قبل أشهر، كانت المحطة تطلب تقريراً ميدانياً، إلى جانب تقديم تحليل سياسي، واستضافة شخصيات على الهواء مباشرة. أما اليوم، وخصوصاً بعد الثورة المصرية، فتقلّصت المساحة المعطاة لنا، وبتنا مطالبين بتقرير موجز لا تتجاوز مدّته ثلاث دقائق». واستشهدت شاهين بالتصعيد الإسرائيلي الأخير في غزة الذي أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من دون أي تغطية إعلامية تذكر. أما نضال المغربي («وكالة رويترز») فيرى أن تراجع الخبر الفلسطيني سببه متطلبات تفرضها وسائل الإعلام لكي يتصدّر الخبر شاشتها أو صفحاتها، مشيراً إلى أن الثورات العربية لم تتصدّر أولوية المشهد الإعلامي فقط، «بل خُصِّصت لها ميزانيات مالية ضخمة للحصول على تغطية شاملة ووافية من مكان الحدث مباشرة». لا يختلف الوضع كثيراً على شاشة «العربية»، فيقول مراسلها إسلام عبد الكريم إن هناك أساليب عدة لإبقاء الملف الفلسطيني حاضراً، أبرزها عدم حصره بالشق السياسي، فـ«يجب استغلال المساحة المعطاة لنا لطرح قضايا اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية».
وفي مقابل هذا التجاهل، لا تزال بعض الفضائيات تصرّ على أولوية الخبر الفلسطيني، مثل قناة «روسيا اليوم»؛ إذ لا تزال هذه المحطة تفرد أول ربع ساعة من نشرتها الأخبارية لهذا الملف، كما يقول مراسلها سائد السويركي. وخلال أحداث غزة الأخيرة، قدّمت تقارير إخبارية ميداينة، واستضافت شخصيات عدة لمناقشة هذا الموضوع. ويكشف السويركي أن «المحطة طلبت باهتمام شديد إجراء حوارات وتقارير خاصة عن فنانين وشعراء وأطفال موهوبين من فلسطين». كذلك، تولي قناة «دبي» أهمية خاصة بالشأن الفلسطيني، فطلبت من منتج أخبارها في غزة نائل غبّون، ثلاثة تقارير تغطّي تفاصيل أحداث التصعيد الإسرائيلي الأخير، رغم أن برمجتها كانت مزدحمة بالمواد الرمضانية والمسلسلات.
هكذا يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط سامي الأخرس أن القضية الفسلطينية تبقى محورية في الإعلام العربي، وإن غيّبت لفترات متقطّعة. ويعطي مثالاً ما حصل خلال حرب الخليج، ثمّ عند اجتياح العراق عام 2003 «يومها غابت القضية الفلسطينية عن الصدارة، لكنّها ما لبثت أن عادت إلى السطح من جديد». ويرى الأخرس أن سبب تراجع الخبر الفلسطيني هو «ضعف اللاعبين السياسيين الفلسطينيين، وسط غياب الحس والانتماء الوطني، وما لحقه من كوارث الانقسام... كل ذلك جعل اهتمام الإعلام منصبّاً على تناحر مصالح الأحزاب فقط». ويضيف أنّ قضية فلسطين ستعود لتتصدّر نشرات الأخبار عند طرح قضية الاعتراف بدولة فلسطين على التصويت في «الأمم المتحدة» في العشرين من الشهر الحالي.