غزة | على خشبة مسرح «عشتار» في رام الله، قدّمت إيمان عون عملها «بيت ياسمين» الذي يشرك الجمهور في العرض، بوصفه جزءاً أساسياً من العمل وليس متفرجاً فقط، على طريقة المعلّم البرازيلي أوغوستو بوال مؤسس «مسرح المقموعين».العمل يطرح سؤالاً عن جدوى المساعدات المقدمة من الدول المانحة للفلسطينيين، عبر الحكومة أو المنظمّات غير الحكومية. تسأل المخرجة الفلسطينية بحرقة وجرأة: «هل التمويل يحقّق تنمية حقيقية في الأراضي الفلسطينية؟ هل نستطيع العيش من دونه؟».

أسئلة كثيرة راودت المديرة الفنية لمسرح «عشتار» بعد تجارب كثيرة خاضتها مع جهات التمويل، آخرها مع مؤسسة شريكة لها في عرض «مونولوجات غزة»، إذ طلبت منها عدم استخدام كلمة «شهيد» في المونولوجات كشرط لاستمرارية دعمها للمشروع. ردّت عليها عون بكلمتين: «مع السلامة». انطلاقاً من هذه الحادثة، بدأت الأسئلة تراود عون: لكل مانح أجندة خاصة به، فهل نقبل بإمرار سياساته؟ وإن فعلنا، أفلا نخسر بذلك شيئاً من روحنا؟ أسئلة دفعتها إلى التفكير في كل الإشكاليات المتعلقة بقبول التمويل الأجنبي مقابل إمرار أجندات سياسية تلصق الإرهاب بالشعب الفلسطيني، والبحث في علاقة المانحين بالمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، إلى أن خلصت إلى أنّ «الغيبوبة تسيطر على الجميع».
هذه الخلاصة قدّمتها المخرجة رمزياً بعدما شبّهت «غيبوبة الواقع الفلسطيني» بياسمين بطلة عملها الجديد. ياسمين ناشطة في مجال حقوق الإنسان، تدير حلقات تلفزيونية من بيتها، وتتعرض لمحاولة اغتيال في عيد ميلادها يشلّ حركتها. يهمّ أهل البيت لمساعدتها، فيما تتدخّل جهات خارجية لمساعدة العائلة. وبدلاً من أن تسعف ياسمين، تزيد الأمور تعقيداً عندما يبدأ كل فرد يبحث عن مصلحته من وراء بقاء حالة ياسمين على ما هي عليه.
ضمّت «بيت ياسمين» تسعة ممثلين شاركوا الجمهور النقاش في محور المسرحية ارتجالياً أثناء العرض، ما خلق حالة تفاعل قوية. الجمهور وفق عون انقسم إلى فريقين: «فريق شبابي متحمّس ومتعاطف مع فكرة المسرحية نادى وسط العرض: لا للدواء الأخضر أي الدولار الأميركي. والفريق الثاني ضمّ مديري مؤسسات تحفظّوا على ردود فعلهم». لكن من هي الجهة التي قبلت بتمويل عمل مماثل؟ إنّها «مؤسسة روزا لوكسمبورغ» الألمانية التي تتخذ من المناضلة اليسارية الشهيرة اسماً لها، إذ نقلت عون أنّ المؤسسة ترغب دوماً في الاطلاع على كل ما يحصل في فلسطين على نحو حقيقي.
من خلال مسرحيتها، ترغب عون في أن تؤرق أسئلتها أذهان عدد كبير من الأشخاص، وتدفعهم خطوة نحو تعامل مغاير مع الجهات الداعمة، ورفض سياسة التنويم مطلقاً!