الجزائر| يصرّ المشرف على «المعرض الدولي للكتاب في الجزائر»، إسماعيل أمزيان، على أنّ هذا الحدث الثقافي السنوي هو الأكبر من نوعه عربياً. يستدلّ على ذلك بالأرقام «القياسية» التي تسجّلها دوراته المختلفة، سواء من ناحية إقبال الجمهور، أو من ناحية مبيعات الكتب. لكنّ محترفي حقل الكتاب يقلّلون من أهمّية هذه الأرقام، معتبرين أنها لا تعكس واقع المقروئية في الجزائر.
هكذا، يعود المعرض وسط استمرار الجدل بشأن واقع المقروئية في الجزائر، في ظلّ غياب إحصائيات وأرقام دقيقة في هذا المجال. فبينما تشهد أروقة المعرض إقبالاً كبيراً من قبل الزوّار، يتزايد الحديث عن تدهور كبير للمقروئية امتد إلى أوساط النخبة، من مثقّفين وجامعيين. كذلك يُحكى عن تراجع الكتاب الفكري والأدبي والعلمي لمصلحة كتب الطبخ والكتب الدينية/ شبه المدرسية التي باتت تتصدّر قائمة المبيعات كل عام.
يتحدّث المشرف على المعرض عن 150 ألف زائر يومياً خلال الدورتين السابقتين، ويرى في ذلك نجاحاً باهراً، متوقّعاً أن يتضاعف الإقبال خلال العام الحالي، كرد فعل على موجة الاضطرابات السياسية والأمنية التي أدّت إلى إلغاء عدد من معارض الكتاب في الدول العربية الأخرى، وتأجيل عدد آخر منها. ويرى أمزيان أنّ هذه الأوضاع المتوترة نسبياً رفعت مستوى إقبال دور النشر العربية على أروقة المعرض الجزائري، على اعتبار أنّه سيكون سوقاً مناسباً لتعويض ما خسرته في معارض أُخرى.
وإذا كان الكتّاب والمثقّفون يعتبرون المعرض مناسبةً للالتقاء بالقارئ وعرض أعمالهم، فإنّ الناشرين يرون فيه فرصة ذهبية لتسويق كتبهم، في ظلّ المشاكل العميقة التي يتخبّط فيها سوق الكتاب في الجزائر، من نقص المكتبات، إلى أزمة مشكلة توزيع الكتب في بلد تتجاوز مساحته مليوني كيلومتر مربّع. ويُشير مدير منشورات «البرزخ»، سفيان حجاج، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أهمّية «معرض الكتاب الدولي في الجزائر»، بوصفه الحدث الثقافي الأضخم على مدار السنة. لكنه يعرب عن تخوّفه من أن يؤثّر تزامنه مع عودة المدارس والجامعات على إقبال الجمهور.
ويرى حجاج أنّ نهاية تشرين الأوّل (أكتوبر) ــــ الموعد الذي كان يُقام فيه المعرض قبل تقديمه هذه السنة ــــ هي التوقيت الأفضل لحدث من هذا النوع. ويرى حجاج أنّ تزامن المعرض مع موسم المدارس والجامعات قد ينعكس سلباً على قدرة المواطنين على اقتناء الكتب، وقد يُحصر الطلب في الكتاب «شبه المدرسي وشبه الجامعي». ورغم اعترافه بأنّ هذا الصنف من الكتب هو الطاغي على طلبات الجمهور، يؤكّد أنّ الكتاب الأدبي والفكري يجد دوماً مساحته لدى القارئ الجزائري. يذكر في هذا السياق أنّ ««البرزخ» باعت قرابة مئة نسخة من كتابي الروائيين أمين الزاوي ومايسة باي، في أمسية واحدة. كذلك باعت أكثر من 350 نسخة من كتاب المفكّر الجزائري الراحل محمد أركون الذي أقيم معرض الكتاب الماضي بعد شهرين من رحيله».
لمسؤولة منشورات «ميم»، القاصّة آسيا علي موسى، وجهة نظر أخرى. ترى أن الإقبال الكبير على المعرض من طرف الزوّار الذين تتزايد أعدادهم كل سنة، لا يعكس بأي حال من الأحوال وعياً للقراءة بكل أبعادها، ولا يُترجم مكانتها في المجتمع. وتقترح في حديثها مع «الأخبار» أن «يمتدّ العمل إلى ما هو أكبر وأعمق من معرض، نحو برامج وطنية واستراتيجيات مدروسة لترسيخ عادات القراءة».
ومن منطلق تخصّص دار «ميم» في النشر الفكري والأدبي، تُضيف صاحبة «رسائل إلى آدم»: «إنّنا أمام قارئ كسول، غير فضولي غالباً، يحمل في رأسه أجندة من الأسماء المكرّسة، أو يعتبر المعرض فرصة للتسوّق أو الفسحة، مع ملاحظة أنّ الكتب التي تلقى رواجاً سهلاً واستهلاكاً أكبر، هي تلك التي يحتاج إليها الطلبة والأساتذة». وتخلص المتحدّثة إلى القول إنّ المعرض «مرآة عاكسة لواقعنا المركّب المتناقض، لكنّه يعكس أيضاً تعطّش المواطن للكتاب، وهو فرصة للقائمين على برامج الثقافة لقراءة ما يُنتظر منهم لاحقاً».
أما الصحافي والروائي حميد عبد القادر، فيُشير بدوره إلى أزمة تراجع القراءة في الجزائر والعالم العربي عموماً، رابطاً ذلك بالواقع الاجتماعي الجديد الذي فرضته وسائل الاتصال الحديثة التي تُعتبر الصورة أهم أدواتها. برأيه، «الشارع العربي فرض، بفعل الثورات العربية، واقعاً فكرياً مغايراً، وممارساته تجاوزت الكتب التي لم تعد تلبّي احتياجاته، والمثقّف هو الآخر انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائه وأفكاره، متجاوزاً الوسائط التقليدية»، قبل أن يردف: «كل هذه التطوّرات ستجعل من الكتاب جزءاً من الماضي».
يشهد المعرض الجزائري هذا العام أيضاً عودة مصر، بعد المقاطعة الثقافية بينها وبين الجزائر، بعد ما عُرف بـ«أزمة أم درمان»، إثر المباراة التي احتضنها السودان بين منتخبي البلدين نهاية عام 2009. لهذا تشهد هذه الدورة عودة دور النشر المصرية إلى أجنحة المعرض، بمشاركة قياسية. كذلك تشارك في الندوات مجموعة من الأسماء المصرية المعروفة، أبرزها الكاتب ووزير الثقافة المصري السابق جابر عصفور الذي سيحاضر عن «ثورة 25 يناير».
يحتفي المعرض أيضاً، للمرة الأولى، بلبنان كضيف شرف. ويرى مسؤول الأنشطة الثقافية في المعرض مصطفى ماضي أنّ هذه المشاركة ستكون فرصةً للاقتراب من الإنتاج الفكري والأدبي اللبناني، حتى لو كان «الأدب اللبناني معروفاً في الجزائر، على اعتبار أنّ الكتب المدرسية الجزائرية تضمّ عشرات النصوص لأدباء لبنانيين».
ويشارك من لبنان عدد من الأسماء الأدبية والفكرية والإعلامية، مثل الشاعر عباس بيضون، والروائي رشيد الضعيف، والروائية علوية صبح، والصحافي إسكندر حبش، والناقدة يُمنى العيد، والإعلامي نديم قطيش، والشاعرة جُمانة حداد، والروائي حسن داوود، والروائي محمد أبي سمرا، والشاعر شوقي بزيع، والباحث جورج الراسي، والشاعر عبده وازن، والباحث والمترجم خليل أحمد خليل، إلى جانب الكاتب باللغة الفرنسية شريف مجدلاني. وأعلنت إدارة المعرض أن وزير الثقافة اللبناني غابي ليون سيحضر افتتاح التظاهرة.



ممنوع من العرض

مئتان هو عدد الكتب الممنوعة في «صالون الجزائر»، بحسب ما صرّح إسماعيل أمزيان لصحيفة «الشروق» الجزائريّة. لكنّ محافظ النسخة 16 من المعرض امتنع عن تقديم عناوين هذه الكتب. وأوضح أمزيان في تصريحات أنّ الكشف عن هذه العناوين الممنوعة غير جائز لأنه من صلاحيات اللجنة المكلفة بقبول الكتب المشاركة، «ولأن محافظة الصالون ليست طرفاً في اللجنة».